مركز أبحاث: وقف الحرب في غزة يتطلب "تنازلات" من حماس
قدم مركز “استراتيجيك آنلاسيس” الأسترالي رؤية شاملة حول آفاق التوصل إلى وقف إطلاق نار في غزة، مشددا على أن هذا المسار لن يُكتب له النجاح أو الاستدامة ما لم تُقدم حركة حماس على تنازلات حقيقية وجوهرية، سواء على المستوى السياسي أو العسكري.
موقف ملتبس من المجتمع الدولي
أعرب التقرير عن استغرابه من ما وصفه بـ"الازدواجية الدولية"، حيث وقعت 28 دولة، بينها أستراليا، بيانًا يطالب بوقف القتال في غزة، دون الإشارة الكافية إلى مسؤولية حماس في استمرار الصراع، منتقدا التصريحات الصادرة عن بعض المسؤولين الغربيين والتي ركزت فقط على الوضع الإنساني في غزة دون التطرق إلى الأسباب الجذرية للصراع، معتبرًا أن هذه المقاربة تفرغ أي عملية سياسية من مضمونها.
رؤية استراتيجية: وقف إطلاق النار لا يكفي
بحسب التحليل، فإن وقف إطلاق النار بصيغته الحالية، أي "غير المشروطة"، يحمل في طياته مخاطر كبيرة على المدى الطويل، أبرزها: "تعزيز نفوذ حماس السياسي دون مقابل، وتعقيد أي جهد دولي لإعادة الإعمار".
ويرى المركز أن وقف الحرب لا ينبغي أن يكون هدفًا بحد ذاته، بل وسيلة للوصول إلى عملية انتقال سياسي في غزة.
ماذا تريد الولايات المتحدة؟
ينقل التقرير عن مسؤولين أميركيين رفيعي المستوى، منهم المبعوث الخاص لشؤون الرهائن آدم بوهلر، أن واشنطن ما تزال ملتزمة بخطة تشمل وقف إطلاق النار مقابل إطلاق الرهائن، ثم التوجه نحو تسوية سياسية أوسع.
ويؤكد بوهلر أن العرض الحالي لحماس، والذي يتضمن الإفراج عن 10 رهائن على الأقل، هو "أفضل ما يمكن أن تحصل عليه الحركة"، داعيًا الحركة إلى اغتنام الفرصة "لإنهاء الحرب والبدء بمسار تفاوضي".
حماس: المماطلة سلاح تكتيكي
يلفت التحليل إلى أن حماس تواصل استخدام الرهائن كورقة ضغط سياسية، بل وتُوظف البيانات الدولية لدعم روايتها دون التزام متبادل.
ففي تعليقها على البيان المشترك للدول الـ28، رحبت حماس ببنوده المتعلقة بوقف القتال، لكنها تجاهلت تمامًا فقراته التي تدين احتجاز الرهائن، وهو ما اعتبره المركز محاولة لـ"الانتقائية السياسية واستخدام المواقف الدولية كأداة دعائية".
المعضلة الإنسانية لا تبرر التغاضي
فيما يعترف المركز بوجود كارثة إنسانية حقيقية في غزة، نتيجة القتال والتدمير واسع النطاق، إلا أنه يحذر من أن العودة إلى منظومة المساعدات الدولية السابقة لن تكون حلاً، بل ستعيد إنتاج نفس الواقع الذي مكّن حماس من ترسيخ سلطتها عبر سرقة المساعدات، واحتكار السوق السوداء، وتحويل المعاناة إلى أداة لتأمين الدعم.
ويشير التقرير إلى أن حماس، نتيجة الحصار المالي، اعتمدت في الأشهر الأخيرة على السيطرة على المساعدات الغذائية والدوائية، لتحويلها إلى رواتب لمقاتليها أو لإعادة بيعها بأسعار مرتفعة.
نحو رؤية انتقالية لغزة
يقترح المركز أن يترافق أي اتفاق لوقف إطلاق النار مع خارطة طريق تتضمن: "إطلاق فوري وغير مشروط لكافة الرهائن وانسحاب حماس من السلطة الإدارية في غزة وتفكيك الجناح المسلح لحماس تحت إشراف دولي وعودة السلطة الفلسطينية بصفتها الجهة الشرعية لإدارة القطاع والتحضير لانتخابات عامة فلسطينية بمراقبة دولية ووضع آلية دولية لإعادة الإعمار تمنع تحويل الأموال إلى نشاطات عسكرية".
لا مكان لحماس في مستقبل غزة؟
في لهجة واضحة، يخلص التقرير إلى أن استمرار حكم حماس لقطاع غزة بعد الحرب يعني ببساطة تأجيل الانفجار المقبل، معتبرًا أن الحركة فقدت أهليتها السياسية والأخلاقية لإدارة شؤون مليوني فلسطيني، خصوصًا بعد استخدامها الممنهج للمدنيين كدروع بشرية ورفضها الدائم لأي حل سياسي لا يتضمن بقاءها في السلطة.
يشير التقرير إلى أن العديد من الدول العربية، وعلى رأسها مصر والسعودية، تدرك هذه المعادلة، وهي تنتظر التوصل إلى وقف إطلاق نار يفتح الباب أمام مسار سياسي جديد في غزة، لا يمر عبر حماس بل عبر قيادة فلسطينية أكثر اعتدالًا واستعدادًا للسلام.
خلاصة المركز: "وقف الحرب في غزة لا يمكن أن يكون هدفًا مستقلًا، بل خطوة ضمن مسار متكامل يتطلب تخلي حماس عن حكم القطاع وتفكيك بنيتها العسكرية، تمهيدًا لسلام حقيقي ومستدام."
ويُنهي المركز تقريره بالدعوة إلى أن تُشترط أي هدنة مستقبلية بحدّ أدنى من التنازلات من جانب حماس، حتى لا يُعاد إنتاج نموذج الصراع الذي أدّى إلى هذا الانفجار، مؤكدًا أن المقاربة الوحيدة القادرة على تحقيق سلام في غزة هي "توازن بين الاعتبارات الإنسانية والمتطلبات الأمنية والسياسية".