معهد بريطاني: إسرائيل لن تسمح لإيران بإعادة بناء دفاعاتها الجوية

رغم إعلان وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل في أعقاب حرب استمرت اثني عشر يوماً، إلا أن الأفق الإقليمي لا يحمل مؤشرات على نهاية دائمة للتصعيد بين الطرفين.

وفي هذا السياق، كشف تقرير صادر عن المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية البريطاني (IISS) أن إسرائيل، رغم ما تعتبره "نجاحاً استراتيجياً" في توجيه ضربات دقيقة للمنشآت العسكرية والنووية الإيرانية، لن تتساهل مع أي محاولة إيرانية لإعادة بناء قدراتها الدفاعية الجوية، التي تَعتبرها تل أبيب تهديداً مباشراً لأمنها الجوي وتفوقها في المجال الحيوي.

نهاية الحرب وبداية المرحلة الأخطر

انتهت الحرب في 25 يونيو 2025، بعد مواجهات شرسة شملت ضربات صاروخية متبادلة وهجمات سيبرانية وعمليات نوعية استهدفت قيادات ومرافق استراتيجية. ورغم حجم الخسائر – لا سيما مقتل أكثر من 30 قائداً عسكرياً إيرانياً و19 عالماً نووياً – فإن النظام في طهران صمد، ولم تظهر عليه مؤشرات تفكك داخلي أو انهيار مؤسساتي، وهو ما يعتبره التقرير دليلاً على تماسك البنية السلطوية للنظام الإيراني.

إلا أن أحد أبرز مخرجات الحرب كان نجاح إسرائيل في تحييد شبكة الدفاع الجوي الإيرانية، التي كانت تمثل تحدياً جدياً لقدراتها الجوية. وقد استهدفت تل أبيب بشكل مباشر بطاريات صواريخ ومنظومات رادارية في مناطق حساسة مثل أصفهان وفوردو وطهران الكبرى.

إسرائيل وضمان التفوق الجوي

وفقاً لتحليل الـIISS، فإن السيطرة الجوية كانت هدفاً استراتيجياً مركزياً في هذه الحرب، وقد تمكنت إسرائيل من تحييده بفعالية. ومع نهاية العمليات، بات المجال الجوي الإيراني، خاصة في الوسط والجنوب، مكشوفاً أمام أي تحرك عسكري جديد، ما يعزز من قدرة تل أبيب على شن ضربات وقائية مستقبلية دون تكلفة عالية.

لكن التقرير يحذر من أن إيران بدأت بالفعل خطوات لإعادة بناء هذه المنظومة، وهو ما تعتبره إسرائيل خطاً أحمر. وفي حين تشير إيران إلى استخدام "أنظمة محلية بديلة"، يرى محللو المعهد أن مجرد إعادة الإعلان عن شبكات دفاع جديدة قد يشكل مبرراً لتل أبيب لتوجيه ضربات جديدة تحت ذريعة "منع التصعيد الوقائي".

إعادة البناء تحت التهديد

يقول التقرير إن عملية إعادة بناء الدفاعات الجوية الإيرانية ستكون محفوفة بالمخاطر، سواء من ناحية الضربات المحتملة أو من ناحية صعوبة تأمين المعدات الحساسة وسط اختراقات إسرائيلية واضحة للبنية الأمنية الإيرانية.

ويشير خبراء المعهد إلى أن إيران تدرك هذه المعضلة، ولذلك تسير نحو خيارات "متدرجة وغير استفزازية" تشمل تركيب أنظمة قصيرة المدى وبعيدة عن الكشف الإعلامي، فضلاً عن التركيز على إنتاج محلي بعيد عن الاعتماد على واردات روسية أو صينية قد تستفز إسرائيل.

مع ذلك، فإن أي إشارات لاستخدام أنظمة متطورة أو شرائها من الخارج، خصوصاً إذا كانت من دول مثل روسيا، قد تدفع إسرائيل لشن جولة ثانية من العمليات.

خيارات إيران

يرى التقرير أن قدرة إسرائيل على شلّ الدفاعات الجوية الإيرانية خلال أقل من أسبوعين تعكس تحولاً في العقيدة العسكرية الإسرائيلية، التي باتت أكثر ميلاً إلى تنفيذ عمليات وقائية سريعة وواسعة قبل تشكّل تهديد فعلي.

لكن في المقابل، فإن غياب غطاء جوي فعال يضع إيران في موقف دفاعي مكشوف، وقد يدفعها إلى تكتيكات أكثر خطورة، مثل الاعتماد المفرط على الحروب بالوكالة (عبر حزب الله والميليشيات في العراق وسوريا واليمن) أو تكثيف برامجها السيبرانية والهجمات غير المتناظرة.

في هذا السياق، يؤكد المعهد أن أي محاولة إيرانية لإظهار قدرتها على الردع أو استعادة التوازن ستُقابل بمزيد من التصعيد الإسرائيلي، ما يخلق دوامة تهديد مستمرة تضع المنطقة على حافة اشتعال دائم.

التحدي الاستخباراتي والاستنزاف الطويل

على المدى الطويل، ستكون إسرائيل مضطرة إلى الحفاظ على تفوق استخباراتي متواصل داخل العمق الإيراني، وهو ما يتطلب عمليات تجنيد وتحديث تقنيات المراقبة وتحليل الأنماط العسكرية – ما يُشبه إلى حد كبير "عملية استنزاف استخباراتي مستدامة"، كما وصفها التقرير.

ويشير التقرير إلى أن تل أبيب قد تكون مستعدة لهذا النمط من المواجهة، مستحضرة تجربة "عملية المراقبة الجنوبية" التي نفذها التحالف بقيادة واشنطن في العراق خلال التسعينات، وامتدت لأكثر من عقد. لكن المفارقة، وفق IISS، أن تلك العملية لم تنجح في إسقاط النظام العراقي، بل كانت مكلفة سياسياً وعسكرياً وأدت إلى تآكل الدعم الدولي.

الحذر الإسرائيلي وغياب المسار السياسي

رغم التفوق العسكري، يؤكد التقرير أن إسرائيل تواجه تحدياً كبيراً في غياب مسار سياسي موازٍ للعمليات العسكرية. فكل ضربة ناجحة – مثل تدمير منشأة نووية أو منظومة دفاعية – تخلق فراغاً، ولكنها لا تؤسس بالضرورة لحل دائم. وبالنسبة لإيران، فإن كل هجوم يعزز ثقافة "الصمود" و"المظلومية الوطنية"، ما يقوي الجبهة الداخلية في مواجهة الضغوط، ولو مؤقتاً.

وهو ما يدفع المعهد للتحذير من "وهم الانتصار العسكري المنفرد"، لأن ردع إيران لا يعني إسكاتها، بل يدفعها – تاريخياً – إلى التحول من أدوات المواجهة التقليدية إلى أدوات أكثر مرونة وتكلفة على المدى البعيد.

أمن مؤقت أم بداية جولة جديدة؟

في المجمل، يرى تقرير المعهد الدولي أن إسرائيل خرجت من حرب الـ12 يوماً بانتصار تكتيكي واضح، لا سيما في ملف الدفاعات الجوية الإيرانية، لكنها لم تنجح في تحييد طهران استراتيجياً. فالنظام لا يزال قائماً، وبرنامج إيران النووي لم يُدمّر بالكامل، وقدرة الرد ما تزال قائمة وإن كانت مؤجلة.

وبينما تواصل إيران محاولات إعادة البناء، ستبقى إسرائيل في موقع المتربص، مستعدة لاستخدام القوة كلما استشعرت أن طهران تجاوزت الخطوط الحمراء، لا سيما في ما يتعلق بالدفاع الجوي. وفي ظل غياب آلية سياسية لمعالجة جذور الصراع، فإن "وقف النار" الحالي قد لا يكون سوى استراحة مؤقتة قبل الجولة المقبلة من التصعيد.

Next
Next

مركز أبحاث: وقف الحرب في غزة يتطلب "تنازلات" من حماس