الشيخ منصور بن زايد.. دبلوماسية إماراتية تجمع بين القوة الناعمة والتأثير الاستراتيجي
في عالم السياسة الدولية المعقد والمتشابك، تبرز شخصيات قادرة على صنع تأثير كبير من خلف الكواليس، دون ضجيج إعلامي أو استعراض.. من بين هؤلاء يبرز اسم الشيخ منصور بن زايد آل نهيان، نائب رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة ونائب رئيس مجلس الوزراء ووزير ديوان الرئاسة، بصفته أحد أبرز صناع السياسة الإماراتية، وصاحب بصمة استراتيجية تمتد من الملاعب الأوروبية إلى حقول الذهب الإفريقية>
صانع الفرص في الملفات الإقليمية
كان الشيخ منصور هو اليد الهادئة التي نسّقت تحركات إماراتية في ملفي ليبيا والسودان، بهدف تحقيق الاستقرار من خلال توازن دقيق بين دعم الحكومات الشرعية ومحاربة الفوضى المسلحة، ورغم أن طبيعة هذه الملفات تفرض التعامل مع قادة ميدانيين في ظروف معقدة، فقد استطاع بن زايد الحفاظ على المسار الإنساني والسياسي، بما يحقق المصالح الإماراتية ويخدم استقرار المنطقة.
كما كان للشيخ منصور دور فاعل في دعم برامج إنسانية في أماكن النزاع، من خلال تمويل المستشفيات، وتسهيل إيصال المساعدات الطبية، مع الالتزام العلني بعدم دعم أي طرف عسكري بشكل مباشر، وفقًا للموقف الرسمي لدولة الإمارات.
الدور الاقتصادي والاستثماري
من خلال رئاسته لمجلس إدارة صندوق مبادلة – الذي يتجاوز حجمه 330 مليار دولار – يقود الشيخ منصور واحدة من أكبر المحافظ الاستثمارية في العالم، مستهدفًا القطاعات المستقبلية مثل الذكاء الاصطناعي، التقنيات الحيوية، الفضاء، والطاقة المستدامة.
هذه الاستثمارات ليست فقط لتعظيم العائد المالي، بل تُعد أداة استراتيجية لتعزيز الاستقلال الاقتصادي للإمارات، وتكوين تحالفات تقنية مع القوى العالمية في ظل تحول العالم إلى اقتصاد ما بعد النفط.
في هذا السياق، تمكنت أبوظبي من أن تصبح "عاصمة رأس المال" كما توصف في الأوساط الاقتصادية، بفضل توجيهات القيادة الإماراتية التي يؤمن الشيخ منصور بتطبيقها عبر استثمار ذكي، متزن، وعابر للقارات.
الدبلوماسية الرياضية والإعلامية
أحد أكثر جوانب شخصية الشيخ منصور إثارة للاهتمام هو دوره في الدبلوماسية الرياضية، حيث استطاع أن يحوّل نادي مانشستر سيتي من فريق متوسط إلى أحد أعظم الأندية في تاريخ كرة القدم، عبر خطة استثمارية شاملة تجاوزت 3.5 مليار دولار، شملت تطوير البنية التحتية، الأكاديميات، واستقطاب النجوم.
وتمثل ملكيته للنادي أكثر من مجرد استثمار رياضي، إذ ساهمت في تحسين الصورة الذهنية للإمارات عالميًا، وعززت حضورها في الوعي الثقافي والإعلامي الدولي، كما ألهمت العديد من الدول الخليجية لاتباع النهج ذاته في توظيف الرياضة كأداة للقوة الناعمة.
وإلى جانب الرياضة، قاد الشيخ منصور تحركات ذكية لتأسيس منصات إعلامية ناطقة بالعربية بالشراكة مع مؤسسات عالمية مثل CNN وSky News، في خطوة تهدف إلى خلق توازن إعلامي يعكس وجهة النظر العربية على الساحة الدولية.
الشخصية المتزنة خلف الستار
رغم هذه الإنجازات، يختار الشيخ منصور البقاء بعيدًا عن الأضواء. لا يظهر كثيرًا في الإعلام، ولا يتحدث للصحفيين، ونادرًا ما يحضر مباريات ناديه، ما يعكس فلسفة شخصية تؤمن بأن "النتائج تتحدث بصوت أعلى من الكلمات". هذا النهج أكسبه احترام حلفاء الإمارات الغربيين والعرب، الذين وصفوه بـ"رجل الملفات الصعبة" أو "المعالج الخلفي" لمهام الدولة ذات الحساسية العالية.
كما أشار دبلوماسيون أميركيون سابقون إلى أن الشيخ منصور يُستخدم غالبًا في المهام ذات الطبيعة غير الرسمية، حيث يمكن التفاوض بعيدًا عن السياقات الدبلوماسية التقليدية.
من الحضور الهادئ إلى الحسم الفعال
لم يقتصر نفوذ الشيخ منصور على المسارات الهادئة فقط، بل لعب أدوارًا مباشرة في دعم مواقف الإمارات في لحظات مفصلية، مثل دعم التحولات في مصر ما بعد 2013، والمساهمة في استقرار أسواق النفط، والتنسيق مع دول كبرى في ملفات الأمن السيبراني، وأمن الممرات المائية، ومحاربة التطرف.
في هذا الإطار، يرى مراقبون أن منصور بن زايد يجمع بين المرونة السياسية والحسم التنفيذي، وهي سمات نادرة في البيئة السياسية الإقليمية.
تحديات وقرارات
وكما هي طبيعة الأدوار الكبرى، واجه الشيخ منصور تحديات قانونية وإعلامية، خصوصًا فيما يتعلق بملفات استثمارية معقدة كقضية 1MDB الماليزية. ورغم أن اسمه ورد ضمن أطراف مرتبطة بالملف، إلا أنه لم تُوجَّه إليه أي تهم مباشرة، وأكدت الإمارات التزامها بالتعاون مع التحقيقات الدولية واحترامها لمعايير الشفافية.
وفي الوقت ذاته، يخوض نادي مانشستر سيتي معركة قانونية في الدوري الإنجليزي، بسبب مزاعم تتعلق بقوانين اللعب المالي النظيف. وقد نفى النادي هذه التهم، وأكد التزامه بالشفافية الكاملة، فيما تواصل القيادة الرياضية للنادي بقيادة الشيخ منصور العمل على تطوير البنية المؤسسية وتعزيز النزاهة.
بين الإنجاز والرمزية
ما يميز الشيخ منصور ليس فقط قدرته على الإنجاز، بل موقعه الرمزي في المشهد الإماراتي. فهو يمثل جيلًا من القادة الشباب الذين نهلوا من رؤية المؤسس الشيخ زايد، ويطبقون توجيهات القيادة الرشيدة ممثلة في أخيه الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة.
شخصيته تعكس المزج بين الأصالة الإماراتية والانفتاح العالمي، حيث لا يزال حاضرًا في الفعاليات التقليدية كسباقات الهجن ومهرجانات التمور، وفي الوقت نفسه يقود استثمارات في مستقبل الطاقة والذكاء الاصطناعي والفضاء.