البحث عن اليورانيم المفقود.. لعبة "القط والفأر" بين أميركا وإيران
في تطور خطير ينذر بتداعيات إقليمية ودولية، شنّت الولايات المتحدة الأميركية سلسلة من الضربات الجوية الدقيقة استهدفت مواقع نووية حساسة داخل الأراضي الإيرانية، وذلك بعد تقارير تفيد بوجود نشاطات مشبوهة تتعلق بإخفاء مواد نووية حساسة من قبل طهران. هذه الضربات فتحت باب أزمة جديدة تتعلق بـ"اليورانيوم المفقود"، وسط مخاوف من أن تكون إيران قد أخفت جزءًا من مخزونها النووي في مواقع غير خاضعة للرقابة الدولية.
الخلفية: تصعيد تدريجي وانهيار الثقة
تأتي هذه التطورات بعد أشهر من التوتر المتصاعد بين واشنطن وطهران، على خلفية البرنامج النووي الإيراني الذي ظل مثار جدل منذ انسحاب إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب من الاتفاق النووي عام 2018. ورغم محاولات متكررة لإعادة إحياء الاتفاق عبر الوساطات الأوروبية، فإن البرنامج الإيراني استمر في التقدم، مع تقارير تفيد بأن طهران باتت قادرة على تخصيب اليورانيوم بنسب تقترب من مستوى إنتاج الأسلحة النووية.
تفاصيل الضربات العسكرية
بحسب مصادر أمنية أميركية، فإن الضربات استهدفت منشآت مشبوهة في مناطق متفرقة، من بينها مواقع تحت الأرض يُعتقد أنها تُستخدم لتخزين أو إعادة تخصيب مواد نووية حساسة. وقد تم تنفيذ العمليات باستخدام طائرات مسيرة وصواريخ دقيقة التوجيه، ضمن عملية محدودة تهدف إلى "كبح" قدرات إيران النووية، دون الانزلاق إلى مواجهة شاملة.
اللافت أن الضربات لم تكن فقط ردًا على مخاوف تتعلق بالتخصيب، بل جاءت بعد تقارير استخباراتية أشارت إلى فقدان كمية غير محددة من اليورانيوم عالي التخصيب، ما دفع واشنطن إلى التحرك المباشر لاحتواء ما وصفته بـ"خطر وشيك".
أين اليورانيوم؟ لعبة القط والفأر تبدأ
في أعقاب الضربات، بدأت أجهزة الاستخبارات الأميركية والغربية عملية تعقّب دقيقة للبحث عن "المواد النووية المفقودة"، وسط حالة من الشك بأن إيران قد قامت بتهريب هذه المواد إلى مواقع سرية داخل البلاد أو ربما خارجه. وتشير التقارير إلى أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية تواجه صعوبات متزايدة في تتبع المواد، بسبب تراجع مستوى التعاون الإيراني، ومنع المفتشين من الوصول إلى بعض المواقع الحساسة.
وتصف بعض الدوائر الأمنية هذا التحرك بأنه "أخطر أزمة نووية منذ الحرب الباردة"، إذ لا يُعرف ما إذا كانت هذه المواد ستُستخدم في أبحاث نووية جديدة، أو ستُخزَّن كورقة ضغط سياسي، أو حتى تُنقل إلى جهات غير نظامية.
إيران تنفي وتتهم
من جانبها، نفت طهران وجود أي نشاط غير قانوني في منشآتها النووية، واعتبرت الضربات الأميركية "عدوانًا سافرًا على السيادة الإيرانية". وقال مسؤولون في وزارة الخارجية الإيرانية إن بلادهم تحتفظ بحق الرد في الوقت والمكان المناسبين، متهمين واشنطن بمحاولة عرقلة التقدم العلمي الإيراني وتحويل الأنظار عن "فشل سياساتها الإقليمية".
كما اتهمت إيران الوكالة الدولية للطاقة الذرية بـ"الانحياز" و"العمل وفق أجندات سياسية"، في إشارة إلى الاتهامات المتعلقة بإخفاء اليورانيوم.
المجتمع الدولي في حالة قلق
أثارت هذه التطورات ردود فعل واسعة في العواصم الدولية. فقد دعت كل من روسيا والصين إلى التهدئة والعودة إلى طاولة المفاوضات، بينما طالبت دول أوروبية مثل فرنسا وألمانيا بفتح تحقيق دولي شفاف بشأن "المواد المفقودة"، محذّرة من مخاطر التصعيد على أمن المنطقة.
الأمم المتحدة من جهتها عبّرت عن "قلق بالغ"، ودعت إلى ضبط النفس وتغليب الحلول الدبلوماسية، فيما يعقد مجلس الأمن الدولي جلسة طارئة لمناقشة تداعيات الضربات والتطورات المرتبطة بالبرنامج النووي الإيراني.
المخاطر المستقبلية
يرى محللون أن أخطر ما في المشهد الحالي هو فقدان الثقة في آليات الرقابة الدولية، إذ باتت إيران تُعامَل باعتبارها دولة "على أعتاب النووي"، دون القدرة على التحقق الكامل من نواياها أو أنشطتها. ويخشى بعض الخبراء أن يشجّع هذا المشهد دولًا أخرى في المنطقة على السعي لامتلاك قدرات نووية ردعية، مما قد يؤدي إلى سباق تسلح نووي إقليمي يشبه ما حدث في شبه الجزيرة الكورية أو جنوب آسيا.
سيناريوهات مفتوحة
تشير مصادر أميركية إلى أن الضربات الأخيرة ليست بالضرورة نهاية التصعيد، بل قد تكون بداية لمرحلة جديدة من الضغوط المتعددة: دبلوماسية واقتصادية وحتى أمنية. وفي المقابل، قد تلجأ إيران إلى تعزيز تحالفاتها الإقليمية أو استخدام أدوات غير تقليدية للرد، سواء عبر الميليشيات الحليفة أو عبر التصعيد البحري في مضيق هرمز.
خاتمة: صراع شبح اليورانيوم
ما بين الضربات الجوية، والتصريحات المتبادلة، وحالة الغموض التي تحيط بمصير اليورانيوم المفقود، تدخل أزمة الملف النووي الإيراني مرحلة جديدة أشد تعقيدًا من سابقاتها. ويبدو أن العالم بات أمام سباق استخباراتي محفوف بالمخاطر، حيث قد تكون الكلمة الفصل لمعلومة دقيقة أو خطأ في التقدير.
هل تنجح الجهود الدولية في استعادة مسار الدبلوماسية؟ أم أن المنطقة على أعتاب مواجهة نووية غير مسبوقة؟