للتغطية على خسائر الحرب.. أكراد إيران يخشون "قمع" النظام
بعد الخسائر التي مُني بها النظام الإيراني في حرب الـ12 يوما مع إسرائيل، تخشى بعض المكونات الاجتماعية والعرقية في إيران من حملة قمع للتغطية على تلك الخسائر، وإلصاقها بالمناوءين للنظام، ومنهم الأكراد في إيران الذين وجدوا أنفسهم مرة أخرى ضحية استراتيجية العنف التي ينتهجها النظام الإيراني كلما شعر بالضعف، وبينما يتحدث المسؤولون عن "الانتصار"، تشير المعطيات الميدانية إلى تصعيد قمعي واسع النطاق، وخاصة في المناطق الكردية.
من الخسارة العسكرية إلى التصعيد الداخلي
بدأت الحرب الإسرائيلية - الإيرانية بهجمات جوية إسرائيلية مكثفة ضد المنشآت النووية والعسكرية الإيرانية في 13 يونيو 2025، واستمرت 12 يومًا، وتخللتها ضربات مكثفة استهدفت البنية التحتية الاستراتيجية للنظام، ورغم انتهاء العمليات بوقف لإطلاق النار، فإن النظام الإيراني تلقى ضربة سياسية وعسكرية معنوية كبيرة، جعلته يعود إلى "سلاحه المفضل": القمع الداخلي.
موجة اعتقالات واسعة
وفقًا لـ«وكالة نشطاء حقوق الإنسان في إيران»، بلغ عدد المعتقلين منذ بدء الحرب أكثر من 700 شخص، معظمهم وُجّهت إليهم تهم تتعلق بـ«التعاون مع العدو» أو «الإضرار بالأمن القومي» – وهي تهم فضفاضة اعتاد النظام توظيفها لتصفية الخصوم والمعارضين.
وأعدمت السلطات الإيرانية مالا يقل عن ثلاثة معتقلين أكراد في سجن أورمية بتهم «التخابر مع إسرائيل»، كما أفادت منظمة «حقوق الإنسان في كردستان – إيران» أن الإعدامات نُفذت دون محاكمة عادلة، وأن المعتقلين حُرموا من التواصل مع محامين مستقلين، في خرق فاضح للمعايير الدولية.
قوات الحرس الثوري تنتشر في المدن الكردية
أفادت تقارير محلية أن «قوات الحرس الثوري الإيراني» وميليشيا «الباسيج» التابعة له نفذت انتشارًا واسعًا في مدن مثل مهاباد وسنندج وبوكان. وشملت الإجراءات إقامة نقاط تفتيش، تفتيش المنازل، والتحقيق مع السكان بشأن أنشطتهم على وسائل التواصل الاجتماعي. وقد تسببت هذه الإجراءات في بث الرعب في نفوس الأهالي.
"محاكم الثورة" في خدمة القمع
أنشأ النظام الإيراني محاكم خاصة تعرف بـ«محاكم الثورة» للنظر في ملفات المعتقلين الجدد. ووفقًا لشهادات عائلات المعتقلين، فإن المحاكمات تُجرى بشكل سري وسريع، وغالبًا دون حضور محامٍ أو السماح بتقديم دفاع قانوني فعّال، ما يجعل الأحكام – خاصة الإعدامات – أقرب إلى تصفيات سياسية.
المناخ السياسي يزداد توترًا
قالت منظمة «العدالة من أجل إيران» إن تصعيد القمع ضد الأكراد يعكس سياسة متكررة للنظام، تتمثل في استخدام الأقليات كـ"فزاعة أمنية" عند كل أزمة خارجية. ويأتي هذا القمع بعد موجة احتجاجات شهدتها إيران منذ 2022، عقب مقتل الشابة الكردية مهسا أميني، وهي الموجة التي لعب فيها الأكراد دورًا قياديًا، ما جعلهم في مرمى الانتقام الرسمي.
قلق الأحزاب الكردية المعارضة
ورغم أن أحزاب المعارضة الكردية في المنفى مثل: الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني، وحزب كومالا (Komala)، وحزب الحياة الحرة الكردستاني (PJAK)، لم تدعُ إلى حمل السلاح، إلا أنها حذرت من أن الوضع يتجه نحو "تطهير سياسي موضعي" في كردستان إيران. وأكدت قيادات في هذه الأحزاب أن السلطات تستخدم الحرب الخارجية ذريعة لتصفية حسابات قديمة.
خطر التوظيف السياسي للقوانين الأمنية
وفقًا لمنظمة «العفو الدولية»، تسعى طهران إلى تمرير تعديلات على «قانون الأمن القومي» تسمح بالاعتقال الإداري لمدة تصل إلى 90 يومًا دون توجيه تهمة، وتمدد صلاحيات «الحرس الثوري» الأمنية. ووصفت المنظمة هذه التعديلات بأنها «تمهيد قانوني لقمع منهجي طويل الأمد».
المجتمع الدولي.. شجب دون ضغط
حتى الآن، اكتفت حكومات غربية مثل ألمانيا وكندا بإصدار بيانات قلق، دون اتخاذ إجراءات عملية ضد ما وصفته منظمات مثل «هيومن رايتس ووتش» بأنه «موجة قمع غير مسبوقة منذ انتفاضة مهسا أميني».
واقع يومي مظلم للأكراد
وتقول فاطمة أحمد، ناشطة كردية تقيم في السليمانية: «منذ بدء الهدنة، تحولت الحياة اليومية للأكراد في إيران إلى كابوس أمني دائم. المداهمات، الاعتقالات، نقاط التفتيش، وحتى اختفاء الناس من دون أثر… لم يعد أحد يشعر بالأمان».
وتبدو حملة القمع الجارية ضد الأكراد في إيران، بعد الحرب مع إسرائيل، كعملية "تأديب جماعي" تهدف إلى فرض السيطرة وإعادة ترميم الهيبة المتهالكة للنظام. وبينما يتحدث النظام عن "الردع ضد العدو الخارجي"، فإنه يمارس أقسى درجات العنف ضد فئة لطالما كانت في مقدمة المطالبين بالحرية والعدالة داخل إيران.
تبقى الأسئلة مفتوحة: هل سيكون الأكراد ضحية جديدة لصراع داخلي يخفي هزيمة استراتيجية؟ وهل ستكتفي الدول الغربية بالمراقبة، بينما تزداد معاناة أبناء هذه الأقلية الإيرانية؟