مركز أبحاث أميركي يدعو إلى "رد حازم" على هجمات الحوثيين بالبحر الأحمر
وصف مركز أبحاث أميركي استئناف جماعة الحوثيين هجماتها ضد الملاحة في البحر الأحمر بأنها "خرق صريح" لاتفاق التهدئة مع الولايات المتجدة، مشيرا إلى أن هذا التصعيد، بحسب مراقبين، يعيد واشنطن إلى قلب معركة الأمن البحري في المنطقة، ويطرح تساؤلات حول حدود الصبر الأميركي، وفاعلية الردع البحري في مواجهة وكلاء إيران، وأوصى باتخاذ إجراءات حاسمة ردا على تلك الضربات.
اتفاق التهدئة
وقالت مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات إنه منذ مطلع عام 2024، سعت الولايات المتحدة لتهدئة غير رسمية مع الحوثيين بعد تصاعد استهدافهم للسفن التجارية في البحر الأحمر وباب المندب. وجاءت هذه التهدئة عقب سلسلة من الضربات الأميركية المحدودة التي أدت، وفق التقديرات، إلى تراجع نسبي في وتيرة الهجمات. لكن الحوثيين، رغم التراجع، لم يلتزموا نهائيًا بوقف العمليات، بل حافظوا على خطاب تعبوي عدائي ضد واشنطن وإسرائيل، كما كثّفوا من تجنيد مقاتلين وإنتاج طائرات مسيّرة محلية الصنع.
ثم في يونيو الماضي ويوليو الجاري، وقعت عدة هجمات نوعية نُفذت بواسطة طائرات بدون طيار وصواريخ مضادة للسفن، استهدفت سفنًا تجارية تحمل أعلامًا دولية بينها سفن مرتبطة بمصالح أميركية ويونانية.
إحدى الهجمات أسفرت عن مقتل 3 من طاقم سفينة مدنية وإصابة آخرين، فيما غرقت إحدى السفن قرب السواحل اليمنية، ما تسبب بتسرب نفطي محدود.
ورغم أن الحوثيين لم يعلنوا مسؤوليتهم المباشرة عن كل الهجمات، فإن توقيتها ونمط تنفيذها يشيران بوضوح إلى بصمتهم.
يُجمع الخبراء في المؤسسة أن الحوثيين لم يتوقفوا فعليًا عن العمل العسكري، بل استغلوا الهدنة لتعزيز مواقعهم وإعادة نشر معدات متطورة حصلوا عليها من إيران.
وفي هذا الإطار يقول محلل الأمن البحري ديفيد أديسون: "وقف إطلاق النار كان وهمًا. الحوثيون يملكون الآن طائرات مسيّرة أكثر دقة ونطاقًا أكبر، ما يرفع من قدرتهم على استهداف السفن خارج المياه الإقليمية".
أما كبير الباحثين بالمؤسسة بهنام بن طالبلو فيرى أن "ما يحصل هو اختبار جديد من طهران لحدود الرد الأميركي"، مشددا على أن "الحوثيين مجرد أداة لإرباك ممرات الشحن الدولي دون أن تدخل إيران مباشرة في مواجهة".
لماذا التصعيد الآن؟
وحسب تقرير المؤسسة، تتعدد الدوافع الحوثية لخرق الهدنة: "محاولة الضغط على إدارة بايدن لاستعادة قنوات تفاوض تتعلق بالملف النووي الإيراني عبر تصعيد الفوضى في منطقة حيوية، والرد على التحركات الأميركية-الإسرائيلية في المنطقة، بما في ذلك تدريبات بحرية مشتركة ودعم مباشر للسعودية، وتثبيت حضورهم السياسي والعسكري في معادلة الأمن الإقليمي، خاصة بعد التراجع العسكري الأخير في الحديدة وتعز.
وتشير المؤسسة إلى أن الهجمات الحوثية قد تُصنّف، وفق القانون الدولي، كـ"أعمال عدائية ضد حركة ملاحية مدنية" تنتهك اتفاقيات الأمم المتحدة لقانون البحار، كما أن استهداف سفن غير عسكرية في ممرات تجارية قد يُبرر ردًا أميركيًا أوسع نطاقًا، قد يشمل ضربات على موانئ يستخدمها الحوثيون كقواعد لإطلاق الصواريخ.
ما هي خيارات الرد الأميركية؟
وتُحذر المؤسسة من أن التهاون الأميركي سيُفسَّر كدعوة لمزيد من التصعيد، وتقترح ما يلي: "شنّ ضربات استباقية دقيقة ضد مخازن السلاح الحوثية ومنشآت الطائرات المسيّرة وفرض عقوبات جديدة على الداعمين الإقليميين للحوثيين، بما في ذلك شبكات تهريب عبر عمان وشرق أفريقيا وتحريك ملف الحوثيين أمام مجلس الأمن مع دعم دولي لتصنيفهم كجماعة إرهابية بشكل أوسع".
ونبهت إلى أن خطر التصعيد الحوثي يمتد إلى ما هو أبعد من اليمن: "ممرات الشحن العالمية تمر بأكثر من 20% من التجارة عبر البحر الأحمر؛ أي تهديد يرفع تكاليف الشحن والتأمين"، في حين تتابع إسرائيل التطورات عن كثب، وتعتبر التصعيد الحوثي مقدمة لفتح "جبهة بحرية بديلة" في حال فشل التهدئة في غزة أو تصاعد التوتر مع حزب الله.
تقدير الموقف في المؤسسة
وتُخلص مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات إلى أن السلوك الحوثي الأخير يؤكد: "عدم جدوى أي تفاهم مع الجماعة دون ردع عسكري فعّال؛ وتورط إيران المباشر في التخطيط وتوفير التكنولوجيا؛ وهشاشة الاستقرار البحري في المنطقة ما لم تتشكل قوة ردع بحرية إقليمية مشتركة تقودها واشنطن".
خاتمة
الهجمات الأخيرة تكشف أن "الهدنة غير الرسمية" بين واشنطن والحوثيين لم تكن سوى هدنة شكلية، والحوثيون استغلوا تلك الفترة لبناء قدرات هجومية متطورة، مدعومين من طهران، واستهدفوا السفن في توقيت محسوب بعناية.
اليوم، تجد الولايات المتحدة نفسها أمام مفترق حاسم: إما أن ترسل رسالة حاسمة عبر الرد العسكري والدبلوماسي، أو تسمح بتكرار نموذج "الميليشيا الحارسة للممرات" كما يحدث في مضيق هرمز.