مستاء من بوتين.. ترامب يتجه نحو دعم أوكرانيا لإخضاع روسيا

في تحول لافت في الموقف الأميركي من الحرب في أوكرانيا، يشهد المشهد السياسي في واشنطن تقاربًا متزايدًا بين الرئيس دونالد ترامب، ومواقف بعض أعضاء الكونغرس الداعمة لكييف، وذلك وسط تصعيد غير مسبوق في العلاقات مع روسيا، وتحديدًا مع الرئيس فلاديمير بوتين.

وقالت جريدة "واشنطن بوست" إن هذا التحول، الذي لم يكن متوقعًا من شخصية مثل ترامب – المعروفة سابقًا بنهجها المتسامح نسبيًا تجاه الكرملين – يعكس ضغوطًا داخلية متنامية وقراءات أمنية متشددة لسياسات موسكو، إلى جانب تزايد الأدلة على انتهاكات روسية خطيرة في شرق أوروبا.

ترامب وبوتين... من دفء إلى برود

منذ ولايته الأولى، اعتبر ترامب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين صديقا، ففي وقت كانت فيه المؤسسات الأمنية الأميركية تتهم موسكو بالتدخل في الانتخابات الرئاسية عام 2016، كان ترامب يرفض توجيه اتهامات صريحة، بل ذهب إلى تبرئة بوتين علنًا في قمة هلسنكي الشهيرة عام 2018.

لكن مشهد 2025 مختلف تمامًا، فمع تصاعد الحرب في أوكرانيا، وازدياد الهجمات الروسية على البنية التحتية المدنية، وحتى استخدام أسلحة حرارية محرّمة، تغيّر خطاب ترامب بشكل واضح، مصادر في الإدارة أكدت لـ"واشنطن بوست" أنه "يرى بوتين الآن عبئًا لا أصلًا للحكمة الاستراتيجية".

من الشك في أوكرانيا إلى دعم مشروط

ولطالما عبّر ترامب عن امتعاضه من "تمويل حرب لا تنتهي" في أوكرانيا، لكن في الأسابيع الأخيرة، بدأت إدارته تطلق إشارات جديدة: دعم "مشروط" و"موجّه" لكييف، مع تركيز على المصالح الأميركية أولًا، وتحت رقابة صارمة للإنفاق.

التغير ليس فقط نابعًا من رؤية ترامب، بل كذلك من تحولات داخل الحزب الجمهوري، فقد بدأت أصوات بارزة في الكونغرس تضغط من أجل تسليح أوكرانيا بأسلحة أكثر تطورًا، وإدخال أدوات ردع تمنع بوتين من توسيع رقعة الحرب نحو مولدوفا أو دول البلطيق.

النائب الجمهوري البارز "مايك تيرنر"، رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس النواب، صرح في جلسة استماع أخيرة: "ما لم نوفر الردع الحقيقي اليوم، فسندفع أضعاف الثمن غدًا. بوتين يفهم القوة فقط".

قنبلة العقوبات: حزمة جديدة بطابع جمهوري

بالتزامن، يناقش الكونغرس مشروع قانون جديد لفرض أشد عقوبات اقتصادية على روسيا منذ بداية الغزو، تتضمن: حظرًا كاملًا على المعاملات المصرفية مع المؤسسات الروسية السيادية؛ تجميد أصول الأفراد المرتبطين بالكرملين؛ فرض قيود على صادرات التكنولوجيا ذات الاستخدام المزدوج (المدني والعسكري) إلى روسيا؛ توسيع العقوبات على حلفاء موسكو، بما في ذلك إيران وكوريا الشمالية، اللتين اتهمتا بتوريد طائرات مسيرة وصواريخ.

ما يميز هذه الحزمة هو أنها نالت دعمًا من التيار المحافظ داخل الحزب الجمهوري، وهو ما أعطى إشارات واضحة إلى حملة ترامب بأن الخطاب الشعبي الجمهوري تغير.

لقاءات الكواليس: اتصالات أوكرانية بترامب ودوائره

رغم أنه ليس رئيسًا حاليًا، إلا أن مقربين من الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بدأوا قنوات اتصال غير رسمية مع شخصيات مؤثرة في حملة ترامب.

تسريبات أفادت بأن مايكل فلين، المستشار السابق للأمن القومي، ونيوت غينغريتش، القيادي الجمهوري المخضرم، شاركا في اتصالات أولية لبحث إمكانية التنسيق مع إدارة ترامب المقبلة، خصوصًا فيما يتعلق بضمان استمرار الإمدادات الدفاعية الأميركية.

ومع أن إدارة ترامب رفضت التعليق، إلا أن مسؤولًا سابقًا في البيت الأبيض صرح للصحيفة: "إذا كان هناك تقارب حقيقي بين ترامب وأوكرانيا، فسيكون نابعًا من إدراكه لخطورة بوتين أكثر من أي شيء آخر".

بوتين يراقب... وقلق في موسكو

في موسكو، لم تمر هذه التحولات بهدوء. وسائل الإعلام الروسية الرسمية بدأت تشنّ حملات ضد ترامب، واصفة إياه بـ"المخادع" و"غير الموثوق"، وهو تغير لافت عن نبرة المدح التي كانت تسود خلال سنوات رئاسته.

تحليل استخباراتي غربي سرّب للصحيفة يشير إلى أن الكرملين يعتبر أن "عودة ترامب إلى البيت الأبيض لن تضمن بالضرورة رفع العقوبات أو تخفيف الضغط"، خصوصًا إذا اضطر ترامب إلى إثبات "صلابته" أمام منتقديه.

كما أن مستشاري الأمن القومي في واشنطن حذروا من أن موسكو قد تُسرّع هجماتها أو توسيع رقعة النزاع قبل الانتخابات الأميركية، خشية من أن تتغير قواعد اللعبة جذريًا إذا عاد ترامب.

ماذا بعد؟

الأسابيع المقبلة ستكون حاسمة في تحديد اتجاه العلاقة الثلاثية بين واشنطن وكييف وموسكو. وإذا صحّ ما يتردد عن تفكير ترامب في تقديم "مبادرة سلام كبرى" تشمل وقف إطلاق النار مقابل انسحاب روسي من بعض المناطق، فإن معالم الحرب قد تتغير فعليًا.

لكن، وبحسب مستشار سابق في وزارة الدفاع الأميركية: "لا يمكن الوثوق ببوتين. إذا تراجعت الضغوط الآن، سيفسرها كضعف، وليس كدعوة للسلام".

خلاصة

تحوّل ترامب نحو أوكرانيا ليس تحوّلًا مبدئيًا، بل هو تحوّل سياسي مدروس فرضته ضغوط الكونغرس، والمناخ الأمني، وحتى مزاج الناخب الأميركي، لكنه في الوقت نفسه يشير إلى نهاية مرحلة "الغموض" تجاه روسيا، وولادة نهج أكثر وضوحًا – حتى وإن كان مشروطًا وموجّهًا وفق منطق "أميركا أولًا".. الكرة الآن في ملعب بوتين... فهل يفهم الإشارة؟ أم يضاعف الرهان؟

Previous
Previous

مركز أبحاث أميركي يدعو إلى "رد حازم" على هجمات الحوثيين بالبحر الأحمر

Next
Next

محمود حجازي: مينا مسعود نجم عالمي والعمل معه مريح