الخطة الأميركية في غزة: إنشاء مجمعات سكانية "خلف الخط الأصفر"
في خطوة وُصفت بأنها قد تغيّر مستقبل الجغرافيا السياسية داخل قطاع غزة، تعمل الإدارة الأميركية على تنفيذ خطة عاجلة لإنشاء عدد من المجمعات السكنية في الجزء الشرقي من القطاع الذي تسيطر عليه إسرائيل منذ وقف إطلاق النار في أكتوبر الماضي.
الخطة، التي وردت تفاصيلها في تقرير لصحيفة "ذا نيويورك تايمز"، تحمل عنوانًا رسميًا تقدمه واشنطن تحت مسمى "المجتمعات الآمنة البديلة" — وهي صياغة جديدة تقسم غزة إلى منطقتين، الأولى خلف "الخط الأصفر" وتسيطر تسيطر عليها إسرائيل شرقًا، والأخرى بعد الخط الأصفر غربا وتنشط فيها حماس.
وفق التقرير، تمثل هذه المجمعات محاولة أميركية لتوفير سكن ملائم لعشرات الآلاف من الفلسطينيين الذين أنهكتهم الحرب المستمرة منذ عامين، وباتوا بلا مأوى مع انهيار البنية التحتية واتساع رقعة الدمار.
مجمعات مؤقتة بمواصفات دائمة
يقوم المشروع على إنشاء سلسلة من المجمعات السكنية النموذجية في مواقع داخل النصف الشرقي من غزة، وهي مناطق لم يعد يعيش فيها إلا القليل من سكان القطاع البالغ عددهم نحو مليوني نسمة، أما الغالبية الساحقة فقد نزحت إلى المناطق الغربية التي تسيطر عليها حماس، حيث لا تزال إعادة الإعمار ممنوعة بموجب التفاهمات الأميركية – الإسرائيلية.
ووفق "ذا نيويورك تايمز"، ستكون المجمعات أكثر تطورًا من مخيمات الخيام التي تُستخدم في الإغاثة الطارئة، فهي مبنية بوحدات مسبقة الصنع لكنها مؤقتة بطبيعتها، مع تجهيزها بعيادات طبية ومدارس ومساحات مخصصة للخدمات الأساسية. كل مجمع من هذه المجمعات قادر على استيعاب ما بين 20 ألفًا إلى 25 ألف شخص، ما يجعل الخطة إحدى أكبر العمليات الهندسية – الإنسانية التي تُنفَّذ في غزة منذ سنوات.
وتشير الصحيفة إلى أن المسؤولين الأميركيين يأملون أن يجذب المشروع الفلسطينيين الذين يعيشون في المناطق الأكثر اكتظاظًا داخل النصف الغربي، وأن يجدوا فيه فرصة للانتقال إلى بيئة أكثر أمنًا ومن دون سيطرة مباشرة من حماس، فضلًا عن وجود برامج واعدة للعمل وإعادة بناء الحياة اليومية.
رهانات أميركية… وهواجس فلسطينية
يرى القائمون على المشروع أنه ضرورة عملية وإنسانية قبل أن يكون خطوة سياسية. يقول آرييه لايتستون، المسؤول الرفيع في الإدارة الأميركية والمشرف على البرنامج، إن السؤال المركزي هو: “كيف ننقل الناس إلى مساكن آمنة في أسرع وقت ممكن؟”. ويضيف أن هذه المجمعات هي “الطريقة الأسهل لتحقيق ذلك”.
لكن خلف هذه الإجابة التقنية تكمن حسابات سياسية أكثر عمقًا. فالنصف الشرقي من غزة يخضع لسيطرة كاملة من الجيش الإسرائيلي منذ وقف إطلاق النار، ويبدو أن واشنطن تراهن على تثبيت منطقة “منزوعة حماس” يمكن إدارتها وتطويرها بما يخدم — وفق الرؤية الأميركية — إعادة هندسة الواقع الأمني في غزة.
استجابة أم فرض أمر واقع؟
لا تزال الخطة في مراحلها الأولى، لكن "ذا نيويورك تايمز" تشير إلى أن النية الأميركية هي التحرك بسرعة قصوى، مع ضغوطات داخلية في واشنطن لتقديم حلول ملموسة للأزمة الإنسانية في غزة. المصطلح الجديد "مجتمعات بديلة وآمنة" يُعد — بحسب دبلوماسيين أوروبيين نقلت الصحيفة عنهم — محاولة لتجنّب تسجيل هذه المنشآت كمخيمات لاجئين دائمة، خصوصًا في ظل الحساسية السياسية المرتبطة بتغيير الجغرافيا الديموغرافية للقطاع.
تأتي هذه الخطة الأميركية في ظل واقع إنساني شديد القسوة عاشه سكان غزة خلال العامين الماضيين، حيث تسببت المعارك المتواصلة في تدمير مناطق واسعة من القطاع، ونزوح مئات الآلاف من المدنيين.
وبات واضحًا، بحسب التقرير، أن بقاء الوضع الحالي دون تغيير يعني تفاقم الانهيار الاجتماعي والاقتصادي، وربما عودة الصراع المسلح على نطاق واسع، الأمر الذي يدفع واشنطن إلى تسريع هذه المبادرة باعتبارها “الحل الأقل سوءًا”.
وعلى الرغم من أن المخطط لا يزال نظريًا في بعض تفاصيله، فإن وجود قوات إسرائيلية على الأرض شرق غزة يجعل تطبيقه ممكنًا، على الأقل من الناحية الأمنية، لكن هذا التطبيق سيبقى مرهونًا بقبول الفلسطينيين.
معنى “خلف الخط الأصفر”
تصف مصادر إسرائيلية المنطقة الشرقية من غزة بأنها “خلف الخط الأصفر” — في إشارة إلى الخط الذي يفصل بين النفوذ الإسرائيلي والمنطقة التي ما تزال تحت سيطرة حماس، وهذا “الخط” غير رسمي لكنه واقع فعلي تشكّل بعد وقف إطلاق النار.
وبذلك، تصبح المجمعات المزمع إنشاؤها جزءًا من منطقة انتقالية أمنية – سياسية يجري هندستها لتكون ملاذًا للفلسطينيين، ومختبرًا أميركيًا لإدارة مناطق لا تخضع لسيطرة حماس، وبرنامجًا طويل الأمد لإعادة إعمار مشروط.