"تفكّك المحور".. هل فقدت إيران السيطرة على الحوثيين؟
في تطوّر يُعدّ من أكثر التحوّلات حساسية في توازنات الشرق الأوسط خلال السنوات الأخيرة، كشفت صحيفة "ذا تليغراف" البريطانية، نقلًا عن مسؤولين إيرانيين، أنّ طهران فقدت السيطرة تدريجيًا على الحوثيين في اليمن، وأن هؤلاء باتوا يتصرفون “كجماعة مستقلّة بالكامل”، رافضين الانصياع للأوامر التي كانت تمليها عليهم إيران عبر الحرس الثوري. هذا المشهد يعكس – وفق مسؤولين إيرانيين – تفككًا واضحًا في ما تبقى من "محور المقاومة" الذي اعتمدت عليه طهران لأربعة عقود في إدارة نفوذها الإقليمي.
"خرجوا عن السيطرة".. الحوثيون يتمردون على طهران
يقول مسؤول إيراني رفيع للصحيفة: "الحوثيون أصبحوا متمرّدين بالفعل، ولا يستمعون لطهران كما كانوا يفعلون سابقًا"، مضيفًا أنّ الأزمة لا تقف عند حدود اليمن؛ فـ"بعض الجماعات العراقية أيضًا تتصرف كما لو أنه لم يكن لنا أي اتصال بها".
يمثّل هذا الاعتراف العلني من داخل النظام الإيراني مؤشرًا على انكسار عميق في البنية الاستراتيجية لطهران، خصوصًا بعد الضربات التي تلقّاها حزب الله في لبنان وفقدان حماس لجزء كبير من قدراتها بفعل حصار غزة. ومع تآكل هذه الأذرع، أصبح الحوثيون آخر قوة شبه فاعلة تعتمد عليها إيران لتبرير سرديتها حول "المقاومة".
محاولة يائسة للسيطرة: وفد من الحرس الثوري إلى صنعاء
وفقًا لـ"ذا تليغراف"، وصل إلى صنعاء مؤخرًا قائد بارز في الحرس الثوري الإيراني لمحاولة احتواء التصدّع وإعادة الحوثيين إلى بيت الطاعة. وتكشف الصحيفة أن الزيارة جاءت بعد شهر من التوتر الحاد، ومحاولات إيرانية غير ناجحة لإعادة رص الصفوف.
وتشير مصادر يمنية معارضة إلى أن الحوثيين يعيشون "أزمة قيادة وخيارات"، وأنّ طهران لم تعد قادرة على لعب دور الموجّه الأول، بل أصبحت تتابع – بقلق – نزعة الاستقلال المتزايدة لدى الجماعة.
طهران بعد حرب غزة: خسارة النفوذ وتقلّص الهامش
لطالما اعتمدت إيران على الدعاية التي تُظهرها باعتبارها “الحارس الأكبر للقضية الفلسطينية”، لكن الحرب الأخيرة قلبت المعادلة. فبحسب مسؤول إيراني نقلت عنه الصحيفة:
"هم يعرفون أنهم خسروا اللعبة".
فشل طهران في حضور مفاوضات وقف النار في شرم الشيخ، وعدم قدرتها على توجيه حلفائها كما اعتادت، يعكس انكماش قدرتها على التأثير السياسي والعسكري في الإقليم.
خلافات منذ أبريل.. والسبب: الصمت الإيراني أمام الضربات الأمريكية
جذور الأزمة تعود إلى أبريل الماضي عندما تعرّض الحوثيون لضربات أمريكية مكثفة، بينما فضّلت إيران عدم التدخل خوفًا من الدخول في صدام مباشر مع واشنطن. هذا الموقف ترك الحوثيين في مواجهة مفتوحة، فاعتبرته القيادة الحوثية “تخلّيًا” عنهم، وأصبح نقطة تحوّل في علاقتهم بطهران.
منذ ذلك الحين، وسّعت الجماعة اليمنية تحالفاتها الخارجية وخطوط إمدادها، وطوّرت قدراتها العسكرية، خصوصًا في مجال المسيّرات والصواريخ، بشكل يقلّل من اعتمادها على إيران. وهذا التطوّر – كما ترى الصحيفة – جعل الحوثيين أكثر ثقة بالنفس، وأقل رغبة في تنفيذ الأوامر القادمة من طهران.
اقتصاد حرب مستقل.. وأوراق قوة لا تعتمد على إيران
تكشف "ذا تليغراف" أنّ الحوثيين باتوا يتمتعون بـ"اقتصاد حرب" متكامل يوفّر لهم مصادر قوة ذاتية، من خلال:
السيطرة على صنعاء
جباية الضرائب
طباعة العملة
تهريب المخدرات
بيع السلاح لجماعات أفريقية
السيطرة على خطوط الملاحة في البحر الأحمر
هذه المكاسب عززت استقلال الجماعة، وجعلت توجيهات الحرس الثوري أقل تأثيرًا ممّا كانت عليه في السابق.
الجبال تحمي المسيرات والصواريخ
تشير التقارير إلى أنّ الحوثيين طوروا مهارات كبيرة في إخفاء الأسلحة داخل كهوف وممرات جبلية، وهو ما سمح لهم بالصمود أمام حملات القصف الأمريكية والسعودية طوال سنوات. ورغم إعلان إدارة ترامب سابقًا أنها "قضت" على قدراتهم، فإن خبراء quoted by "ذا تليغراف" يؤكّدون أن الجماعة تمكّنت من امتصاص الضربات وتكييف عملها العسكري مع أسلوب حرب العصابات.
الحرس الثوري يبحث عن إعادة التموضع
أعاد الحرس الثوري إرسال واحد من أبرز قادته، عبد الرضا شهلائي، قائد فيلق القدس في اليمن، والذي تلاحقه الولايات المتحدة بمكافأة 15 مليون دولار. وبحسب المسؤول الإيراني نفسه، فإن أحد أهداف شهلائي هو حث الحوثيين على “التعاون أكثر من قبل لأنهم المجموعة الوحيدة المتبقية التي تعمل”.
لكن محللين يرون أن إعادة شهلائي ليست كافية لإعادة الحوثيين إلى دائرة النفوذ؛ لأن الأزمة – كما وصفها تقرير يمني عسكري – "فراغ استراتيجي تعيشه طهران نفسها".
هل انتهى عهد السيطرة؟
تشبه العلاقة الحالية – بحسب خبير كويتي تحدث للصحيفة – "امتيازًا تجاريًا" حيث يحتفظ كل طرف باسمه وهويته لكن يعمل وفق مصالحه الخاصة. هذا الوصف يلخص طبيعة المرحلة: علاقة مستمرة، لكنها ليست علاقة طاعة، بل علاقة منفعة متبادلة، وقدرة طهران على فرض إرادتها أصبحت محدودة جدًا.