واشنطن تضغط وبيروت تتردّد.. أين وصلت خطة تفكيك ترسانة حزب الله؟

يقف لبنان اليوم أمام واحدة من أعقد المعضلات في تاريخه الحديث: ملف سلاح حزب الله. فبعد أكثر من عام على وقف إطلاق النار بين الحزب وإسرائيل، عاد الجدل إلى الواجهة مع ضغوط أمريكية متزايدة تدعو إلى تفكيك الترسانة العسكرية للحزب وإعادتها إلى إطار الدولة. غير أن المسار لا يزال مليئًا بالتعقيدات، بين حسابات القوى السياسية اللبنانية، وتشابك المصالح الإقليمية، وقلق الداخل من انزلاق جديد نحو الفوضى.

الخطة الأمريكية ومحدداتها

يشير تقرير تحليلي صادر عن معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى إلى أن الولايات المتحدة وضعت خطة مرحلية تهدف إلى نزع سلاح حزب الله بحلول نهاية العام. تقوم هذه الخطة على مبدأ "المقايضة"، أي تفكيك ترسانة الحزب مقابل انسحاب إسرائيلي تدريجي من الجنوب، وفتح باب واسع أمام إعادة الإعمار بمشاركة قوى دولية وإقليمية. وترى واشنطن أن نجاح هذا المسار ضروري لتثبيت الاستقرار الداخلي ومنع تجدد الحرب.

بيروت بين الإقرار والتردد

الحكومة اللبنانية أبدت مبدئيًا موافقة على أهداف الخطة، مؤكدة أن السلاح يجب أن يكون حصريًا بيد الدولة. لكن التردد بدا واضحًا في طريقة التعامل مع التفاصيل التنفيذية. فالانقسام السياسي الحاد داخل الحكومة جعل القرارات عرضة للمساومات والتجاذبات، فيما يرفض حزب الله وأنصاره أي مقاربة يعتبرونها استجابة لضغوط خارجية أو تماهياً مع إسرائيل.

موقف حزب الله

يرى التقرير أن الحزب بات يواجه معضلة حقيقية. فمن جهة، تعرضت بنيته العسكرية لضربات قاسية خلال السنوات الأخيرة، وبات الحفاظ على ترسانة ضخمة مكلفًا ويشكّل عبئًا ماديًا وسياسيًا. ومن جهة أخرى، يرفض الحزب التخلي الكامل عن سلاحه الذي يعتبره "ضمانة وجودية" في مواجهة إسرائيل. ووفق التحليل، يسعى حزب الله إلى مقايضة تخفيضٍ مدروس لترسانته ببقاء قدرات ردع نوعية، خصوصًا الصواريخ الدقيقة والطائرات المسيّرة.

دور الجيش اللبناني

الخطة الأمريكية تضع الجيش اللبناني في موقع محوري، باعتباره الجهة الوحيدة المخوّلة تولي مهمة التفكيك والسيطرة على ما يُسلَّم من أسلحة. وقد بدأ الجيش بالفعل، وفق التقرير، بوضع خطط أولية لتنفيذ هذا الدور، مع التركيز على الجنوب حيث تشهد بعض المناطق تقدمًا نسبيًا في تقليص نفوذ الحزب العسكري. إلا أن قدرة الجيش على إنجاز هذه المهمة مرهونة بالدعم الدولي، وبمدى تعاون القوى الداخلية، وفي مقدمتها حزب الله نفسه.

هواجس الداخل والخارج

المعضلة لا تتعلق فقط بالتنفيذ العسكري أو الفني، بل بالهواجس السياسية والاجتماعية. فداخل لبنان، ما زال شطر من الرأي العام يرى في حزب الله "درعًا" ضد إسرائيل، فيما يعتبره آخرون عبئًا يجر البلاد إلى صراعات مدمرة. أما إقليميًا، فتتشابك الحسابات بين طهران، الداعم الأكبر للحزب، والرياض وواشنطن والعواصم الغربية، حيث لا تبدو إيران مستعدة للتخلي عن ورقة نفوذها الأبرز في لبنان بسهولة.

التقدم الجزئي والحدود المفتوحة

يُظهر التقرير أن هناك تقدمًا جزئيًا تحقق في الجنوب اللبناني، حيث نجحت القوات الرسمية، بالتنسيق مع قوات الأمم المتحدة، في فرض رقابة أشد على بعض المناطق ونقاط التخزين. لكن هذه الخطوات تبقى رمزية أمام حجم الترسانة التي بناها الحزب على مدى عقود. وفي الوقت نفسه، لا تزال الحدود مع سوريا تشكل شريانًا أساسيًا لإمداد الحزب بالسلاح، ما يجعل أي خطة لنزع السلاح ناقصة من دون ضبط هذه الجبهة.

معادلة الداخل اللبناني

التقرير يلفت إلى أن أي محاولة لفرض نزع السلاح بالقوة ستقود حتمًا إلى انقسام داخلي خطير. لذلك، تدفع واشنطن باتجاه صيغة "التفكيك التفاوضي"، بحيث يجري الأمر ضمن توافق لبناني وبضمانات دولية. إلا أن الانقسامات العميقة في المشهد السياسي، وارتباط الحزب ببنية طائفية واجتماعية واسعة، تجعل الوصول إلى هذا التوافق مسألة شديدة التعقيد.

بين الفرصة والانسداد

يرى معهد واشنطن أن الظرف الراهن يشكل "نافذة فرصة" لنزع سلاح حزب الله، في ظل الإرهاق الذي أصابه بعد سنوات من الحروب والانخراط في أزمات إقليمية. لكن استمرار تردد بيروت في اتخاذ خطوات ملموسة، إلى جانب رفض الحزب التخلي عن عناصر قوته الاستراتيجية، قد يغلق هذه النافذة سريعًا، ويعيد الملف إلى المراوحة أو الانفجار.

الخاتمة

يخلص التقرير إلى أن لبنان يقف اليوم أمام مفترق طرق مصيري: إما استغلال الدعم الدولي الحالي والظرف الإقليمي لإعادة بناء دولة تحتكر السلاح وتستعيد سيادتها، وإما البقاء في دوامة المراوحة والازدواجية التي تحكمت بمصيره لعقود. فالضغط الأمريكي قد يوفّر غطاءً وفرصة نادرة، لكن القرار النهائي يبقى في يد الداخل اللبناني، بين سلطة رسمية تتردد في الحسم، وحزب مسلح يرفض التخلي عن أوراقه، وشعبٍ يدفع الثمن في كل مرة تعود فيها الحرب إلى شوارعه.

Previous
Previous

وزارة السياحة السورية تكرّم أوائل التعليم الفندقي

Next
Next

فدرالية أو كونفدرالية.. هل لم تعد المركزية تصلح لسوريا؟