فرنسا تصعّد حملتها ضد "الإخوان"

دخلت الحملة الفرنسية ضد جماعة الإخوان مرحلة جديدة من التصعيد، مع تشديد الرئيس إيمانويل ماكرون قبضته على ما سمّاه "الاختراق الأيديولوجي المنظّم" الذي تمارسه الجماعة في مؤسسات المجتمع الفرنسي. وتأتي هذه التحركات في إطار رؤية رسمية تعتبر الجماعة تهديدًا مموّهًا للهوية الجمهورية، تحت غطاء القانون والجمعيات التعليمية والدينية.

معهد "الإخوان" في مرمى النيران

أحدث حلقات هذه المواجهة كانت معهد العلوم الإسلامية الأوروبية (IESH) في شاتوشينون، التابع لاتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا، وهو كيان يُشتبه بارتباطه التنظيمي والفكري بالجماعة. بعد مداهمة أمنية واسعة، قررت الإدارة حلّ المعهد طواعية في خطوة سبقت قرارًا حكوميًا كان يستعد لحله رسميًا، على خلفية اتهامات بتلقّي تمويلات مشبوهة وتعليم متطرف.

وزارة الداخلية الفرنسية وصفت المعهد بأنه جزء من شبكة تربوية وفكرية تستند إلى أفكار "الإخوان" وتسعى إلى "تكوين كوادر دينية تدين بالولاء لمشروع سياسي ديني"، وليس للقيم العلمانية الفرنسية.

تقرير سري: تغلغل واسع في الجمعيات والمساجد

كشف تقرير صادر عن مجلس الدفاع الوطني الفرنسي، ناقشه الرئيس إيمانويل ماكرون في يونيو الماضي، عن حجم غير مسبوق لنفوذ جماعة الإخوان داخل فرنسا. ووفق التقرير، فإن الجماعة تُسيطر بشكل مباشر أو غير مباشر على نحو:

147 مسجدًا موزعة في مدن فرنسية كبرى مثل باريس، ليون، مرسيليا، وروبيه.

أكثر من 90 جمعية دينية وتعليمية، تنشط تحت لافتات العمل الخيري والثقافي، وتُستخدم لنشر خطاب ديني يحمل طابعًا سياسيًا موجهًا.

شبكات تمويلية معقدة تتلقى دعماً من الخارج، خاصة من قطر وتركيا، وفق ما أوردته أجهزة الاستخبارات الداخلية.

التقرير حذّر من أن هذه البنية التنظيمية "لا تعتمد على العنف، لكنها تقوم على بناء نفوذ مجتمعي موازٍ يعمل على زعزعة التماسك الوطني"، مضيفًا أن "الخطورة تكمن في الطابع المؤسسي المنظّم الذي تعتمد عليه الجماعة، وليس في مظاهر التطرف الصريحة".

تشريعات جديدة على الطاولة

بناءً على توصيات التقرير، تستعد الحكومة الفرنسية لطرح قانون جديد لمكافحة الانفصالية الإسلاموية، هو الثالث من نوعه بعد قانوني 2017 و2021، يهدف إلى: حل الجمعيات التي تنتهك مبدأ "الحياد الديني" ومنع التمويلات الأجنبية غير المُعلنة ومراقبة محتوى التعليم غير الرسمي، خاصة في المدارس الدينية والمراكز الثقافية.

وقال الرئيس ماكرون خلال الاجتماع الوزاري إن "التهديد لم يعد نظريًا، بل شبكيًا وهيكليًا"، مشددًا على أن الجماعة "تسعى إلى بناء مجتمع موازٍ يتناقض مع قيم الجمهورية".

ضربات متتالية للجماعة

الإجراءات التي اتخذتها السلطات مؤخرًا شملت: إغلاق معهد IESH وتجميد أصوله ومصادرة محتوياته الرقمية وتجميد حسابات مصرفية تابعة لجمعيات يُشتبه في علاقتها بالجماعة وترحيل دعاة وإلغاء تصاريح إقامة لرموز فكرية مرتبطة بالتنظيم وتضييق على تدريب الأئمة في المؤسسات المتأثرة بأيديولوجية الجماعة.

وترى الحكومة أن الإجراءات تستهدف فقط "الإسلام السياسي"، وليس الإسلام كدين، مشددة على أن فرنسا تضمن حرية العبادة ضمن إطار علماني صارم.

ماكرون يحسم المواجهة

مع اقتراب موعد الانتخابات الأوروبية، يُنظر إلى حملة ماكرون ضد جماعة الإخوان على أنها جزء من معركة سياسية وثقافية لحماية النموذج الفرنسي للعلمانية. ومن المتوقع أن يُعرض القانون الجديد أمام البرلمان في الخريف، وسط ترقب داخلي ودولي لمآلات هذه المواجهة.

Previous
Previous

آراء من شمال شرق سوريا حول الاتفاقيات الإبراهيمية

Next
Next

"رويترز": وقف إطلاق النار في غزة "ممكن لكن سيستغرق وقتا"