كيف نجحت الإمارات في جذب المواهب حول العالم؟
نجحت دولة الإمارات العربية المتحدة خلال السنوات الأخيرة في التحول إلى واحدة من أبرز الوجهات العالمية لاستقطاب الكفاءات والمواهب، بفضل مزيج من السياسات الحكومية الذكية، والبيئة الاقتصادية المرنة، وجودة الحياة العالية التي جعلت من مدنها، وعلى رأسها أبوظبي ودبي، مقصدًا للمبدعين والمهنيين ورواد الأعمال من مختلف القارات.
كشف تقرير نشرته صحيفة "ذا ناشيونال" أن ما حققته الإمارات "ليس مصادفة"، بل هو نتيجة لاستراتيجية مدروسة ركزت على جذب العقول قبل رؤوس الأموال، وتوفير بيئة محفزة تتيح للأفراد والشركات النمو والابتكار ضمن منظومة اقتصادية حديثة تتسم بالاستقرار والانفتاح.
بيئة معيشية آمنة ومحفزة
تتصدر الإمارات قائمة الدول الأكثر أمانًا في العالم، وهو ما يعزز ثقة المهنيين والعائلات التي تختار الاستقرار فيها. الأمن المستقر، إلى جانب جودة الخدمات العامة والمرافق المتطورة، خلق نموذجًا للحياة الحضرية الحديثة التي تجمع بين الرفاهية وسهولة العيش. كما أن وفرة الأنشطة الثقافية والترفيهية، والتنوع السكاني المنفتح، جعلا من دبي وأبوظبي بيئتين عالميتين بالمعنى الكامل للكلمة.
التعليم والرعاية الصحية ركيزتان للجذب
تولي الإمارات اهتمامًا خاصًا بقطاعات التعليم والصحة، إدراكًا منها أن العائلات المهاجرة أو المواهب الأجنبية تبحث دائمًا عن بيئة آمنة ومستقرة لأبنائها. وتضم الدولة اليوم مئات المدارس الدولية والجامعات العالمية، إضافة إلى منشآت طبية متطورة مثل "كليفلاند كلينك أبوظبي" وغيرها من المراكز الصحية ذات المستوى العالمي، ما يجعلها وجهة مفضلة للمحترفين الباحثين عن جودة حياة متكاملة.
تأشيرات طويلة الأمد ونظام ضريبي مرن
من أبرز الأدوات التي استخدمتها الإمارات في تعزيز قدرتها التنافسية نظام التأشيرات المرن، وعلى رأسه "الإقامة الذهبية" التي تمنح فترات إقامة طويلة لرواد الأعمال والعلماء والمستثمرين وأصحاب المواهب الاستثنائية. وقد بلغ عدد الحاصلين على هذه التأشيرة عشرات الآلاف خلال العام الماضي، في مؤشر على نجاحها في جذب النخبة من مختلف المجالات.
إلى جانب ذلك، تشكّل السياسة الضريبية أحد أهم عناصر الجذب؛ فالإمارات تتميز بنظام ضريبي تنافسي يخلو من ضريبة الدخل الشخصي، ما يمنح الأفراد والمستثمرين حرية أكبر لتوسيع أعمالهم واستثمار مهاراتهم دون قيود مالية مرهقة.
الاستثمار في الذكاء الاصطناعي والاقتصاد المعرفي
أشار التقرير إلى أن الإمارات تميّزت برؤيتها الاستباقية في تبنّي التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، إذ كانت من أوائل الدول التي أنشأت وزارة مخصصة لهذا المجال، وعملت على تطوير بيئة أعمال رقمية جاذبة للشركات الناشئة والمواهب التقنية. هذه السياسة جعلت من الدولة مركزًا متقدّمًا في مجالات الاقتصاد الرقمي والابتكار، بما في ذلك التقنيات المناخية والطاقة المتجددة.
نموذج للحوكمة المرنة
نجاح الإمارات في جذب المواهب لا يرتبط فقط بالجانب الاقتصادي، بل أيضًا بطريقة إدارتها للحوكمة والسياسات العامة. فالدولة قدّمت نموذجًا لما يسمى بـ"الحوكمة التمكينية"، أي تلك التي تسهّل على الأفراد والشركات العمل بدلًا من تقييدهم بالبيروقراطية. هذا النهج عزّز ثقة المستثمرين ورواد الأعمال العالميين، ورسّخ صورة الإمارات كبيئة مرنة تواكب طموحات الجيل الجديد من المبدعين.
رسالة إلى العالم
خلص التقرير إلى أن الإمارات أثبتت أن بناء مستقبل اقتصادي مزدهر لا يعتمد فقط على النفط أو الموارد، بل على الإنسان ذاته. فقد ركزت على استقطاب من "يريد أن يبني"، ومن يملك الرغبة في الإبداع والمنافسة والمساهمة في التنمية. ومع استمرار الدولة في تطوير منظومات الذكاء الاصطناعي والتعليم والبحث العلمي، فإنها تمضي بخطى ثابتة نحو ترسيخ مكانتها كعاصمة عالمية للمواهب والابتكار.
بهذه المقاربة المتكاملة بين جودة الحياة والسياسات الاقتصادية الذكية، استطاعت الإمارات أن تقدم للعالم نموذجًا ناجحًا في كيفية تحويل الدولة إلى منصة عالمية للفرص، وأن تثبت أن الاستثمار في الإنسان هو الطريق الأضمن لبناء اقتصاد المستقبل.