من لبنان إلى كولومبيا.. تجارة الكوكايين مصدر تمويل استراتيجي لـ"حزب الله"

كشف مركز أبحاث أميركي عن نشاط "غير قانوني" واسع النطاق انخرط فيه "حزب الله" اللبناني خلال السنوات الماضية، مشيرًا إلى أن الجماعة بنت شبكات تهريب وغسل أموال تمتد من أميركا اللاتينية إلى أفريقيا وأوروبا، وتحوّلت إلى مصدر تمويل استراتيجي لأنشطتها العسكرية والسياسية في المنطقة.

وأوضح معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، في تقرير نشره اليوم الأربعاء، أن الحزب تمكّن من ترسيخ وجود اقتصادي موازٍ داخل دول مثل كولومبيا وفنزويلا وباراغواي والمكسيك، عبر تحالفات مع عصابات الجريمة المنظمة، وعلى رأسها شبكات تهريب الكوكايين، التي توفر له موارد مالية ضخمة تُقدّر بمئات الملايين من الدولارات سنويًا.

شبكات مالية عابرة للقارات

بحسب التقرير، فإن "حزب الله" لم يعد يعتمد فقط على التمويل الإيراني كما كان الحال في العقود الماضية، بل نجح في بناء بنية مالية مستقلة تعتمد على أرباح التجارة غير المشروعة.

وأضاف المعهد الأميركي أن الحزب أنشأ منظومة مالية متداخلة تتكون من شركات واجهة ومكاتب صرافة ومؤسسات تجارية تستخدم كغطاء لغسل الأموال الناتجة عن تجارة الكوكايين، موضحًا أن الأموال تُعاد تدويرها عبر النظام المصرفي العالمي بطرق معقدة لتجنّب الرقابة والعقوبات الدولية.

وأشار التقرير إلى أن هذه العمليات تتم من خلال وسطاء لبنانيين يحملون جنسيات مزدوجة، يعملون في مجالات الاستيراد والتصدير والمجوهرات والعقارات، ويستغلون الثغرات القانونية في بعض الدول اللاتينية لتسهيل حركة الأموال دون تتبع مصدرها الحقيقي.

"الحدود الثلاثية".. مركز الثقل اللاتيني

وأكد التقرير أن منطقة الحدود الثلاثية بين البرازيل وباراغواي والأرجنتين أصبحت مركزًا رئيسيًا لأنشطة "حزب الله" في القارة اللاتينية.

وقال إن رجال أعمال لبنانيين على صلة بالحزب يديرون هناك متاجر ومطاعم وشركات إلكترونيات ومكاتب تحويل أموال، تُستخدم ظاهريًا لأغراض تجارية مشروعة، لكنها في الواقع تمثل واجهة لعمليات غسل أموال وتهريب أموال المخدرات القادمة من كولومبيا والمكسيك.

وأوضح المعهد الأميركي أن الأجهزة الأمنية في تلك الدول واجهت صعوبات كبيرة في تتبع هذه الشبكات بسبب مهارة القائمين عليها في إخفاء المعاملات المالية، إضافة إلى ضعف التعاون الأمني بين دول المنطقة، ما منح الحزب مساحة واسعة للحركة والنفوذ.

تحالفات مع عصابات الكارتيل

وأشار التقرير إلى أن الحزب أقام علاقات وثيقة مع عصابات الكارتيل الكولومبية والمكسيكية، التي توفر له الكوكايين الخام مقابل خدمات مالية ولوجستية.

وأوضح أن بعض أعضاء الحزب يقومون بتسهيل نقل الشحنات إلى أفريقيا وأوروبا، مستخدمين موانئ في غرب أفريقيا كنقطة عبور، قبل أن تُباع الشحنات في الأسواق الأوروبية بأسعار مضاعفة.

ويقوم وسطاء تابعون للحزب بعد ذلك بإعادة الأموال إلى أميركا الجنوبية عبر نظام من التحويلات غير الرسمية وشركات الصرافة، لتُغسل وتُحوّل مجددًا إلى لبنان بطرق يصعب تتبعها.

وبحسب المعهد الأميركي، فإن هذه التحالفات منحت "حزب الله" نفوذًا مزدوجًا: فهو شريك مالي موثوق لعصابات الكوكايين، وفي الوقت نفسه مستفيد من أرباحها لتأمين تمويل عملياته العسكرية في سوريا والعراق واليمن.

تهريب الذهب والسلع الفاخرة

وأضاف التقرير أن الحزب وسّع نشاطه في الأعوام الأخيرة ليشمل تهريب الذهب من فنزويلا، مستفيدًا من الفوضى السياسية هناك، حيث تُهرّب كميات ضخمة من الذهب الخام إلى الأسواق السوداء في أفريقيا، وتُباع لاحقًا في دبي وتركيا وأوروبا.

وأشار المعهد الأميركي إلى أن الحزب يستغل أيضًا تجارة السلع الفاخرة والسيارات والعقارات، إضافة إلى شبكات تحويل الأموال غير الرسمية "الحوالة"، كجزء من منظومة مالية ضخمة يصعب كشفها بالكامل.

وذكر أن وحدة تُعرف باسم "منظمة الشهداء" داخل الحزب هي المسؤولة عن الإشراف على هذه الأنشطة وتوزيع عائداتها على الأذرع العسكرية والسياسية والاجتماعية التابعة للحزب في لبنان.

واشنطن تراقب وتتحذّر

وأوضح التقرير أن الولايات المتحدة تتابع هذا النشاط عن قرب، وأنها تعتبره "تهديدًا مزدوجًا" يمس أمنها القومي ومكافحة الإرهاب في آن واحد، إذ يجمع بين تمويل الإرهاب الدولي وتعزيز نفوذ شبكات الجريمة المنظمة في نصف الكرة الغربي.

ونقل المعهد الأميركي عن مسؤولين أميركيين قولهم إن وزارة الخزانة ومكتب مكافحة المخدرات يعملان بالتنسيق مع عدد من الدول اللاتينية لرصد وتتبع هذه الشبكات، لكن المهمة تواجه تحديات بسبب الفساد وضعف المؤسسات القضائية في تلك الدول.

وأضاف التقرير أن واشنطن ترى في "حزب الله" مثالًا على قدرة التنظيمات المسلحة على دمج الاقتصاد غير المشروع ضمن استراتيجيتها التمويلية، ما يجعلها أكثر قدرة على الصمود أمام العقوبات والعزلة الدولية.

من تمويل الحرب إلى النفوذ السياسي

وأشار التقرير إلى أن عائدات تجارة الكوكايين وعمليات غسل الأموال تغذّي آلة الحزب العسكرية في سوريا، وتُستخدم أيضًا في دعم شبكاته الاجتماعية والإعلامية داخل لبنان، بما في ذلك الجمعيات الخيرية والمدارس والمراكز الصحية التابعة له.

وأوضح أن هذه الموارد المالية تسمح للحزب بالاحتفاظ بولائه الشعبي داخل بعض الأوساط اللبنانية، رغم الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تمر بها البلاد، حيث تمكّنه من توفير الخدمات في مناطق نفوذه دون الاعتماد الكامل على الدولة اللبنانية أو الدعم الإيراني.

وذكر المعهد الأميركي أن هذه المعادلة المالية تجعل من الحزب "كيانًا شبه مستقل اقتصاديًا"، يمتلك مصادر تمويل متجددة تتيح له التحرك بحرية أكبر في الساحة الإقليمية.

تحذيرات من "اقتصاد الظل"

وحذّر التقرير من أن استمرار هذا النشاط المالي الموازي سيؤدي إلى تفاقم اقتصاد الظل العالمي، مؤكدًا أن شبكات "حزب الله" في أميركا اللاتينية أصبحت متشابكة إلى حد يصعب تفكيكه دون تعاون دولي واسع النطاق.

ودعا المعهد الأميركي إلى تعزيز التنسيق بين الولايات المتحدة ودول أميركا الجنوبية والاتحاد الأوروبي، عبر تبادل المعلومات المصرفية وملاحقة الشركات التي تعمل كواجهات مالية للحزب، مشددًا على ضرورة التعامل مع هذه الظاهرة بوصفها "تهديدًا اقتصاديًا عابرًا للقارات" وليس مجرد ملف أمني.

وأضاف التقرير أن غياب الاستقرار السياسي في بعض دول أميركا اللاتينية، إلى جانب ضعف الرقابة على الحدود، جعل من المنطقة أرضًا خصبة لتنامي نفوذ الحزب وشبكاته المالية.

التمويل البديل بعد تراجع الدعم الإيراني

وأشار التقرير إلى أن "حزب الله" بات ينظر إلى أميركا اللاتينية كـ"شريان حياة بديل" بعد تراجع التمويل الإيراني خلال السنوات الأخيرة، نتيجة العقوبات وتراجع الموارد النفطية لطهران.

وأوضح المعهد الأميركي أن الحزب نجح في سد الفجوة المالية عبر تنويع مصادر دخله من تجارة المخدرات والذهب والتحويلات غير الرسمية، ما مكّنه من الحفاظ على استقراره المالي رغم الضغوط المتصاعدة.

وخلص التقرير إلى أن هذا النظام المالي الموازي يمنح الحزب قدرة على المناورة السياسية والعسكرية، ويصعّب مهمة المجتمع الدولي في محاصرته ماليًا، إذ أصبحت عملياته جزءًا من شبكة الجريمة العالمية لا تقل تعقيدًا عن شبكات الكارتيلات الكبرى.

ختام: مواجهة معقدة تتجاوز الحدود

واختتم المعهد الأميركي تقريره بالقول إن "حزب الله" لم يعد مجرد تنظيم لبناني ذي امتداد إقليمي، بل أصبح لاعبًا في اقتصاد الجريمة المنظم على مستوى عالمي، مشيرًا إلى أن شبكاته في أميركا اللاتينية تمثل اليوم أحد أهم موارد التمويل التي تحافظ على بقائه ونفوذه السياسي والعسكري.

وأضاف التقرير أن التصدي لهذه الشبكات يتطلب مقاربة متعددة الأبعاد تشمل التعاون الاستخباراتي والمصرفي والأمني، إلى جانب الضغط السياسي على الحكومات التي تسمح بتنامي هذا النشاط داخل أراضيها.

وختم بالتحذير من أن "كل دولار من أرباح تجارة الكوكايين التي تمر عبر هذه الشبكات لا يُغذي فقط الجريمة المنظمة، بل يسهم أيضًا في تمويل ميليشيا مسلحة تشكّل خطرًا على الأمن الإقليمي والعالمي في آن واحد."

Previous
Previous

كيف نجحت الإمارات في جذب المواهب حول العالم؟

Next
Next

الفنان اللبناني جورج نعمة يودع الصيف في مهرجان جونيه