معهد أميركي: شعارات المقاومة تفقد بريقها أمام أزمات المعيشة في إيران

قال معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى إن النظام الإيراني فشل في استثمار التوتر المتصاعد مع الولايات المتحدة وإسرائيل لحشد الإيرانيين حول قيادته، إذ تكشف المؤشرات الاجتماعية والسياسية عن اتساع الفجوة بين الخطاب الرسمي وواقع الشارع الإيراني الذي يرزح تحت أعباء اقتصادية خانقة وتراجع الثقة في شعارات "المقاومة" التي طالما استخدمتها السلطة كأداة تعبئة.

وأضاف المعهد في تقرير حديث أن منذ اندلاع الحرب بين إسرائيل وحركة "حماس" في أكتوبر 2023، حاولت طهران أن تقدم نفسها باعتبارها "المدافع الأول عن القضية الفلسطينية"، غير أن موجة الغضب الشعبي التي اجتاحت الشارع الإيراني في مناسبات مختلفة خلال العامين الماضيين، جعلت هذا الخطاب أقل تأثيرًا.

ويؤكد التقرير أن "النظام الإيراني الذي بنى شرعيته على فكرة مقاومة الغرب وإسرائيل، يواجه اليوم جمهورا مرهقا لا يرى في تلك الشعارات سوى غطاء لتبرير إخفاقات داخلية متراكمة".

معاناة اقتصادية متفاقمة

رغم الزيادات الدورية في أسعار النفط وتحسن بعض مؤشرات التبادل التجاري، لا تزال معدلات التضخم تتجاوز 40%، فيما تواصل العملة الإيرانية الانخفاض أمام الدولار. وتضاعفت أسعار السلع الأساسية عدة مرات خلال العام الماضي، ما جعل ملايين الأسر الإيرانية تعيش على حافة الفقر.

ويشير معهد واشنطن إلى أن "الاقتصاد الإيراني أصبح رهينة للفساد والعقوبات وسوء الإدارة"، وأن "الخطاب الرسمي حول الصمود والمقاومة لم يعد يقنع فئات واسعة من الطبقة الوسطى التي تراجعت قدرتها الشرائية إلى مستويات غير مسبوقة".

ويضيف التقرير أن النظام "يسعى إلى إقناع المواطنين بأن أزماتهم الاقتصادية ناتجة عن الحصار الأميركي، بينما يعلم معظم الإيرانيين أن الفساد المحلي وسوء توزيع الثروة هما السبب الأكبر".

تآكل الرمزية الثورية

يلفت التقرير إلى أن رموز الثورة الإسلامية لم تعد تحظى بالهيبة نفسها لدى الأجيال الشابة التي لم تعش أحداث 1979، وأن الجيل الجديد بات ينظر إلى شعارات "الاستقلال ومواجهة الغرب" على أنها أدوات بيد السلطة لإدامة قبضتها الأمنية.

ويشير المعهد إلى أن "النظام الإيراني فشل في تجديد لغته السياسية بما يتناسب مع التحولات الاجتماعية"، مضيفًا أن "شعارات مثل الموت لأميركا والموت لإسرائيل لم تعد تثير الحماسة ذاتها التي كانت قبل عقدين".

ويوضح التقرير أن الاحتجاجات التي اندلعت عقب وفاة الشابة مهسا أميني عام 2022 ما زالت تمثل نقطة تحول في علاقة المجتمع بالنظام، إذ كسرت حاجز الخوف، وكشفت عمق النقمة على الطبقة الحاكمة حتى داخل المناطق التقليدية الموالية للسلطة.

صراع الأجنحة والإنهاك الشعبي

من جهة أخرى، يرى التقرير أن الصراعات بين التيارات داخل النظام – بين المحافظين المتشددين والإصلاحيين المحسوبين على المؤسسة – ساهمت في إضعاف الجبهة الداخلية، وأعطت الانطباع بأن النظام يعيش حالة ارتباك سياسي.

ويؤكد أن "الإيرانيين لم يعودوا يرون في قادتهم رموزا للوحدة، بل أطرافا في صراع على النفوذ والثروة"، مشيرا إلى أن حملات الاعتقال المستمرة ضد الناشطين والصحفيين والنساء "تزيد من عزلة النظام وتقلص هامش الشرعية الذي كان يتمتع به سابقًا".

كما أن التوتر المستمر بين الحرس الثوري والحكومة المدنية حول إدارة الاقتصاد والموارد النفطية، وفق التقرير، أدى إلى "تآكل الثقة في المؤسسات الرسمية"، في وقت تتزايد فيه شكاوى المواطنين من غياب العدالة وتدهور الخدمات العامة.

فشل تعبئة ما بعد غزة

ورغم محاولات النظام الإيراني توظيف الحرب في غزة كوسيلة لإعادة بعث خطاب "المقاومة الإسلامية" وتوحيد الداخل خلف القيادة، إلا أن التجاوب الشعبي كان ضعيفًا. ويقول التقرير إن "الخطاب الرسمي الذي يهاجم إسرائيل يوميًا لم يجد صداه في الشارع، حيث تركز اهتمام الإيرانيين على مشكلاتهم المعيشية".

وبحسب المعهد، فإن "الإيرانيين يراقبون دعم بلادهم لحلفائها الإقليميين بينما يعانون من انقطاع الكهرباء وارتفاع الأسعار"، ما جعل كثيرين ينظرون إلى الإنفاق الخارجي على حلفاء طهران في لبنان وسوريا واليمن بوصفه "تبديدًا لثروة وطنية هم أولى بها".

ويضيف التقرير أن "النظام استخدم القضية الفلسطينية مرارا كورقة سياسية لتعزيز شرعيته، لكن الأزمة الاقتصادية الحالية أفقدت هذه الورقة تأثيرها السابق".

تراجع الثقة ومخاوف المستقبل

يرى معهد واشنطن أن أخطر ما يواجه النظام ليس المعارضة السياسية المنظمة، بل حالة اللامبالاة المتزايدة داخل المجتمع، إذ يقول التقرير إن "الإيرانيين لم يعودوا يؤمنون بقدرة النظام على الإصلاح أو التغيير"، وأن "الكثيرين يفضلون الانسحاب من المجال العام بدلاً من مواجهة السلطة مباشرة".

كما يشير التقرير إلى أن "الجيل الشاب لم يعد يرى في الانتخابات أو المشاركة السياسية وسيلة فعالة للتأثير"، خاصة بعد إقصاء معظم المرشحين المستقلين والإصلاحيين في الاستحقاقات الأخيرة، وهو ما أدى إلى أدنى نسب مشاركة في تاريخ الجمهورية الإسلامية.

الحرس الثوري.. الحاكم الفعلي

ويرصد التقرير توسع نفوذ "الحرس الثوري" في مفاصل الدولة والاقتصاد، مؤكدا أنه "أصبح المؤسسة الأقوى في إيران، وصاحب القرار الفعلي في السياسة الخارجية"، بينما تراجع دور المؤسسات المدنية إلى مستوى رمزي.

ويضيف أن الحرس "يستفيد من استمرار حالة التوتر الإقليمي لتبرير توسعه الاقتصادي والعسكري"، وأنه "يستخدم خطاب المقاومة لتغطية مصالحه الداخلية".

ويرى معهد واشنطن أن هذا التغلغل جعل أي إصلاح سياسي حقيقي شبه مستحيل، لأن "الحرس الثوري لا يرى مصلحة في تهدئة الصراعات أو الانفتاح على الغرب"، بل "يعتبر بقاء التوتر ضرورة لبقاء سلطته الاقتصادية".

نظام يفتقد الزخم

ويخلص التقرير إلى أن "النظام الإيراني يفتقد اليوم الزخم الثوري الذي كان يميزه في العقود الأولى بعد الثورة"، وأن "قدرة طهران على استخدام القضايا الإقليمية لتوحيد الداخل تتراجع بسرعة"، خاصة مع تنامي السخط الشعبي على الفساد وتدهور المعيشة.

ويشير في ختامه إلى أن "القيادة الإيرانية تواجه معضلة وجودية: كيف تحافظ على خطاب المقاومة وهي تفقد تدريجيًا ثقة مواطنيها؟"، محذرًا من أن استمرار هذا التناقض بين الشعارات والواقع "قد يؤدي إلى انفجار اجتماعي يصعب احتواؤه، إذا لم تُتخذ إصلاحات جذرية على المستويين الاقتصادي والسياسي".

Previous
Previous

روسيا تبحث عن دور جديد في سوريا ما بعد الأسد

Next
Next

اشتباكات بين الجيش السوري وقسد بالقرب من حي الشيخ مقصود