في معركة الرسوم التجارية.. ماذا تريد إدارة ترامب من دول العالم؟
اجتماع لإدارة ترامب. (أرشيفية: واشنطن بوست)
أهداف عدة ترغب إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في تحقيقها من وراء خوض معركة الرسوم التجارية مع العديد من دول العالم.. فمنزيادة مشتريات الغاز الطبيعي الأميركي إلى تخفيض الرسوم الجمركية على الصادرات الأميركية وصولا إلى خفض الضرائب على شركات التكنولوجيا العملاقة في وادي السيليكون، وتعهد الدول بمنع الصين من استخدامها كمنصة لشحن منتجاتها إلى الولايات المتحدة.واستعرضت جريدة "واشنطن بوست"، في تقرير مطول لها، ما قالت إنها "مطالب" يتوقع أن تُقدمها إدارة ترامب في مفاوضاتها مع عشرات الدول التي تسعى لتجنب الرسوم الجمركية الباهظة التي فُرضت لفترة وجيزة الأسبوع الماضي قبل أن يقرر ترامب تأجيلها.وتحدثت الجريدة الأميركية إلى 21 مصدرا، بعضهم فضل عدم ذكر اسمه، لكشف صورة الاتفاقات الثنائية التي تريد الإدارة إبرامها مع كل دولة من شركاء الولايات المتحدة التجاريين على حدى.ويوم الأربعاء، أوقف الرئيس دونالد ترامب الرسوم الجمركية واسعة النطاق التي كان من المقرر أن تدخل حيز التنفيذ على أكثر من 07 دولة، وهي خطوة عزاها جزئيًا إلى التقلبات المقلقة في سوق السندات. وقال ترامب إن الرسوم الجمركية ستبقى معلّقة لمدة 09 يومًا لإتاحة الوقت لمستشاريه ونظرائهم الأجانب للتوصل إلى اتفاقات فردية.وبالفعل بدأ إبرام تلك الاتفاقات الفردية مع فيتنام واليابان وكوريا الجنوبية وإسرائيل، من بين دول أخرى، وأبقى ترامب على رسوم جمركية بنسبة 01% على جميع الواردات الأميركية تقريبًا، بينما صعّد الرسوم الجمركية على الصين إلى أكثر من 001% مع استمرار سريان تعليق الرسوم على دول أخرى.أعرب مسؤولو البيت الأبيض عن تفاؤلهم بإمكانية التوصل إلى صفقات خلال الأسابيع القليلة المقبلة.وقال ترامب عن مساعديه يوم الأربعاء: "أكبر مشكلة يواجهونها هي ضيق الوقت المتاح. الجميع يرغب في المشاركة وإبرام الصفقات".لكن لا يزال هناك غموض كبير حول شكل هذه الصفقات، ويعود ذلك جزئيًا إلى عدم اليقين بشأن أهداف الرئيس، فعلى سبيل المثال، أكد ترامب مرارًا وتكرارًا رغبته في سد العجز التجاري الأميركي مع الدول الأخرى. وقد تعرضت هذه الفكرة لانتقادات من قِبل الاقتصاديين الليبراليين والمحافظين على حد سواء - فليس من المنطقي أن تُصدّر الولايات المتحدة إلى الدول الفقيرة بقدر ما تستورد، وحتى محاولة القيام بذلك قد تكون مؤلمة، وفق "واشنطن بوست".ومن المحتمل أن يقتصر ترامب على الصفقات التي تُخفّض هذا العجز من خلال اتفاقيات تُلزم الولايات المتحدة ببيع المزيد لهذه الدول. لكن هذا من شأنه أن يُبقي على معايير المفاوضات مع الاقتصادات المتقدمة التي لديها فوائض تجارية مع الولايات المتحدة، مثل أستراليا والمملكة المتحدة. علاوة على ذلك، فإن الصفقات التي توافق فيها الدول الأجنبية على شراء المزيد من المنتجات الأميركية الصنع لن تحقق التوازن التجاري العالمي الذي يسعى إليه ترامب، والذي غذته في المقام الأول الممارسات التجارية لبعض الدول المصدرة الرئيسية.وقال دوغ هولتز-إيكين، رئيس منتدى العمل الأميركي، وهو مركز أبحاث يمين الوسط: "ليس لدينا أدنى فكرة عما يريدونه من الدول الأخرى، والأسوأ من ذلك أن الدول الأخرى لا تعرف ما يريده ترامب منها. لا أعرف كيف تُجرى المفاوضات في ظل هذه الظروف".في ظل غياب المعلومات، تواصل السفراء والممثلون التجاريون وكبار المسؤولين الآخرين عبر الاتصالات والرسائل النصية لتبادل الرؤى. وتحدثوا عن المزايا النسبية لتعيين وزير الخزانة سكوت بيسنت أو وزير التجارة هوارد لوتنيك كمحاور لهم، وحاولوا فهم أنواع الأفكار التي تُحفّز فريق ترامب.لكن الأمور سارت ببطء، وقال دبلوماسي كبير لدولة من الشركاء الرئيسيين للولايات المتحدة إنه في الأيام التي تلت إعلان التعريفات الجمركية في حديقة الورود، لم يُبدِ البيت الأبيض أي ردّ بشأن ما يمكن تقديمه لخفض التعريفات. والآن، وبعد تعليق أعلى التعريفات، يبدو مسؤولو ترامب مستعدين أخيرًا لإجراء مفاوضات طبيعية بدلًا من مجرد المطالبة بتنازلات دون تقديم أي شيء في المقابل - لكن لا يزال من غير الواضح تمامًا كيف يريد البيت الأبيض المضي قدمًا، على حد قول الدبلوماسي.قال شخص مطلع على الأمر، شريطة عدم الكشف عن هويته لوصف المفاوضات الخاصة: "واجه الفريق الهندي صعوبة بالغة في إيجاد محاورين واضحين. اليابانيون لا يعرفون مع من يتحدثون من الجانب الأميركي، هناك الكثير من الالتباس".الخطوط العريضة للتفاوضلكن مسؤولين وخبراء قالوا إن الخطوط العريضة الأساسية لما يسعى إليه فريق ترامب قد ظهرت في محادثاتهم الأولية.ومن المرجح أن تكون الصفقات محددة للمشاكل التي حددها المسؤولون الأميركيون في كل دولة. وقد صرّح كبار مساعدي ترامب، مثل نافارو والممثل التجاري الأميركي جيميسون جرير، بأنهم يريدون من الدول الأخرى خفض الحواجز الجمركية وغير الجمركية، مثل سرقة الملكية الفكرية وحصص الاستيراد. وقد أمضى مسؤولون في مجلس المستشارين الاقتصاديين بالبيت الأبيض والممثل التجاري الأميركي أسابيع في دراسة السياسات التي يعتقدون أنها تُغذي عجزًا تجاريًا كبيرًا مع دول مثل الصين، والفرص المحتملة لتعزيز الصادرات الأميركية. ويمكن أن يُسهم هذا العمل في توجيه المطالب المحددة التي قدمتها الإدارة.من أبرز المطالب المتوقعة أن تتوقف دول مثل فيتنام والمكسيك عن كونها محطات توقف وسيطة للشركات والمنتجات الصينية التي تسعى للتهرب من الرسوم الجمركية الأميركية، وهي ممارسة أثارت قلق المسؤولين في كلا الحزبين.وقال دانيال كيشي، مستشار السياسات في "أميركان كومباس"، وهو مركز أبحاث يمين الوسط، إن الولايات المتحدة ستركز على ضمان أن تكون "البضائع القادمة من فيتنام بضائع فيتنامية فعلية". وأضاف كيشي أن فريق ترامب من المرجح أن يضغط على الدول الأخرى لمضاهاة رسومها الجمركية على الصين بالرسوم التي تفرضها الولايات المتحدة عليها، وتنسيق استخدامها لأدوات أخرى لمنع الصين من السيطرة على سلاسل التوريد في القطاعات الحيوية.قال ريتشارد موخيكا، المحامي التجاري في شركة ميلر وشيفالييه، والذي عمل سابقًا في إدارة الجمارك وحماية الحدود الأميركية: "أعتقد أن الصين هي محور الاهتمام الرئيسي". وأضاف موخيكا أنه يتوقع أن تتوصل المكسيك إلى اتفاق مع الولايات المتحدة جزئيًا من خلال الموافقة على الحد من واردات المنتجات الصينية: "سيكون ذلك متوافقًا تمامًا مع فكرة زيادة وصول المنتجات الأميركية إلى أسواق الدول الأخرى، وكذلك الحد من وصول المنتجات الصينية إلى الولايات المتحدة".لكن الدول الأجنبية قد تتردد في الموافقة على هذه القيود. تعتمد فيتنام على الصين في حوالي 04% من وارداتها، ومن المقرر أن يزور الرئيس الصيني شي جين بينغ البلاد هذا الأسبوع. وبالمثل، ترتبط دول آسيوية أخرى ترغب الولايات المتحدة في التوصل إلى اتفاق معها - ماليزيا وبنغلاديش وتايلاند - بالصين اقتصاديًا أكثر من الولايات المتحدة.سارة بيانكي، ثاني أكبر مسؤولة تجارية خلال إدارة بايدن، والتي تشغل الآن منصب المدير الإداري الأول في شركة إيفركور آي إس آي، قالت إن العديد من هذه الدول ليس لديها حافز يُذكر لمعاداة بكين، لا سيما بعد أن أحدثت تهديدات ترامب الأحادية الجانب بفرض رسوم جمركية فوضى عالمية.وأضافت بيانكي: "الكثير من الدول، وخاصة تلك الموجودة في آسيا، لديها اقتصادات متشابكة للغاية مع الصين. إنها لا تتطلع إلى التعاون مع الولايات المتحدة لمواجهة الصين صراحةً، لا سيما بعد تعرضها لصدمة سياسية عميقة سببتها الولايات المتحدة".قد تكون الصفقات أسهل إذا اكتفى ترامب بتكرار النمط الذي أرساه خلال ولايته الأولى. في عام 9102، وافقت الصين على شراء المزيد من السلع الأميركية كجزء من صفقة لرفع الرسوم الجمركية - على الرغم من أن ترامب اشتكى لاحقًا من أن بكين لم تُنفذها أبدًا.الغاز ولحوم البقر والتكنولوجياقال شخصان مطلعان على تفكير الإدارة إن الصفقات من المرجح أن تشمل مجموعة من الالتزامات لصالح صناعات محلية محددة. على سبيل المثال، قد يُشجع اليابانيون على الالتزام بشراء كميات كبيرة من الغاز الطبيعي المُنتَج في الولايات المتحدة. أما أوروبا، فتفرض ضرائب ولوائح على شركات الإنترنت العملاقة، وقيودًا على واردات لحوم البقر، وهي قيود قد تكون قابلة للتفاوض. (بما أن أوروبا والولايات المتحدة قد أسقطتا بالفعل إلى حد كبير التعريفات الجمركية على واردات كل منهما، يجب أن تُعالج الاتفاقيات التجارية الحواجز غير الجمركية).يمكن للمزارعين الأميركيين، الذين تضرروا بشدة من الحرب التجارية حتى الآن، أن يستفيدوا أيضًا من الاتفاقيات الخاصة بكل دولة، خاصةً إذا كانت الدول الأوروبية مستعدة لتخفيف القيود المفروضة على بعض الصادرات الزراعية الأميركية.يشكك بعض خبراء التجارة في أن هذه الاتفاقيات الخاصة بالصناعات ستُسهم كثيرًا في إعادة الولايات المتحدة إلى مجدها الصناعي. ولكن مع استمرار تقلب سوق السندات حتى بعد تعليق التعريفات الجمركية، قد يرى الرئيس أنه مضطر إلى إبرام اتفاقات أضيق نطاقًا بدلًا من السماح بعودة فرض رسوم استيراد مُزعزعة على عشرات الدول.قد تُطبّق الدول الأجنبية أيضًا تدابيرها المضادة الخاصة، خاصةً إذا كانت مستعدة للتخلي عن حيازاتها من سندات الخزانة الأميركية. وقد أظهر ترامب بالفعل استعداده للتراجع في مواجهة التقلبات في الأسواق المالية، وهو ما قد يضعف موقف الولايات المتحدة.قالت لوري والاش، مديرة "إعادة التفكير في التجارة" في مشروع الحريات الاقتصادية الأميركية، وهو مركز أبحاث ذي ميول يسارية: "السؤال الرئيسي هو: هل سيبدأون بعقد صفقاتٍ فعّالة لمساعدة شركةٍ معينة، أم سيركزون على التزاماتٍ جادةٍ لإعادة التوازن التجاري وإفساح المجال للتصنيع المحلي؟" وأضافت: "إذا كانت الخطة تقتصر على إجبار أوروبا على التخلي عن سياسات الخصوصية التقنية والسماح لنا بإرسال لحومنا إليهم، فإن ذلك لا علاقة له بتقليص العجز التجاري الأميركي المزمن مع العالم.".