مع قرب انتهاء المهلة الأميركية.. لبنان أمام خيار نزع سلاح حزب الله أو عودة الحرب
يقف لبنان اليوم أمام اختبار صعب، مع اقتراب "المهلة الأميركية" من نهاياتها، والتي تضغط على بيروت لاتخاذ خطوات عملية نحو نزع سلاح حزب الله قبل ختام العام الجاري. هذا التطور الذي جاء في سياق إقليمي متوتر، يضع البلاد مجدداً أمام معادلة صعبة: إما المضي في عملية حصر السلاح بيد الدولة، أو مواجهة احتمال اندلاع حرب جديدة قد تكون أكثر تدميراً من كل ما سبق.
وبحسب تقرير نشره موقع "ذا كونفيرسيشن"، فإن واشنطن رفعت مستوى ضغطها السياسي والدبلوماسي على لبنان منذ مطلع العام، مطالبةً الحكومة بتنفيذ التزاماتها المتعلقة بتطبيق القرارين الدوليين 1559 و1701، والبدء بإنهاء وجود السلاح خارج سلطة الدولة. ويؤكد التقرير أن الولايات المتحدة تربط هذا الأمر مباشرة بالاستقرار في جنوب لبنان، خصوصاً بعد سلسلة اشتباكات واسعة بين حزب الله والجيش الإسرائيلي خلال الأشهر الماضية.
الجيش يُكلّف بخطة لنزع السلاح
في ظل هذا الضغط، كلّفت الحكومة اللبنانية المؤسسة العسكرية بإعداد خطة متكاملة لحصر السلاح بيد الدولة قبل نهاية 2025، استجابةً لمطالب دولية متصاعدة ترى أن استمرار وجود تنظيم مسلّح بحجم حزب الله، خارج سلطة الدولة، يمثّل تهديداً مباشراً لوقف إطلاق النار الهش على الحدود الجنوبية.
تتكتم الحكومة على تفاصيل الخطة، لكن مصادر سياسية تشير إلى أنها تشمل آليات تدريجية تبدأ بحصر أماكن وجود السلاح الثقيل، مروراً بتنظيمه أو دمجه، وصولاً إلى وضع جدول زمني لإخضاعه لسلطة الجيش. إلا أن مثل هذه الخطوات، وإن بدت في ظاهرها تقنية، تصطدم بعقبات سياسية وأمنية عميقة.
حزب الله: “السلاح ليس قابلاً للتفاوض”
حزب الله ردّ سريعاً على النقاشات الدائرة، معتبراً أن أي خطوة تجاه نزع سلاحه “تمسّ جوهر معادلة الردع” وتشكل خدمة مجانية لإسرائيل. وأكد قادة في الحزب أن “السلاح ليس بنداً تفاوضياً ولن يصبح كذلك”، مشيرين إلى أن الحديث عن نزع السلاح قبل إنهاء “الاحتلال والتهديد الإسرائيلي” يُعدّ خروجاً عن الثوابت الوطنية.
موقف الحزب هذا يجعل مهمة الحكومة شبه مستحيلة، فالقوة العسكرية للحزب لا تقتصر على الأسلحة بل تمتد إلى نفوذ سياسي وشعبي واسع، إضافة إلى خبرة عسكرية اكتسبها الحزب خلال مشاركته في سوريا خلال العقد الماضي.
ويرى مراقبون أن فرض نزع السلاح بالقوة سيعني حكماً الدخول في مواجهة داخلية خطيرة، وهو خيار لا تفكر به أي جهة رسمية، خصوصاً في ظل الانهيار الاقتصادي والمالي الذي يعصف بالبلاد منذ أربع سنوات.
خطر الحرب الأهلية أو الانفجار الداخلي
التقرير يشير بوضوح إلى أن أي محاولة رسمية لنزع سلاح حزب الله بالقوة ستفتح الباب أمام سيناريوهات خطيرة، أبرزها احتمال الانزلاق إلى صراع داخلي يعيد البلاد إلى مرحلة الحرب الأهلية. فالبيئة السياسية والطائفية الحالية شديدة الهشاشة، والاصطفافات الداخلية متشابكة، ما يجعل أي خطوة غير محسوبة بمثابة صاعق تفجير.
كما يرى خبراء أن نزع السلاح بدون ضمان انسحاب إسرائيلي متزامن من المناطق المتنازع عليها سيُفقد الدولة أي قدرة على ضبط الوضع الأمني في الجنوب، ويجعل لبنان مكشوفاً أمام أي تصعيد إسرائيلي جديد.
مطالب دولية ترتبط بالاقتصاد والمساعدات
لا تقتصر الضغوط الأميركية والدولية على الجانب الأمني فقط، بل تشمل أيضاً الجانب الاقتصادي. فالمساعدات الدولية المرتقبة لإعادة إعمار البنية التحتية، ولإنقاذ الاقتصاد المنهار، باتت مشروطة بخطوات واضحة نحو استعادة الدولة لسيادتها.
وترى الجهات الدولية أن استمرار وجود “دولة داخل الدولة” يمثل عائقاً أمام الاستقرار، ويعيق أي خطط للإصلاح أو بناء مؤسسات مستقلة. لذلك، تحاول الولايات المتحدة ربط ملف نزع السلاح بمسار المساعدات، ما يجعل الحكومة اللبنانية في موقف حرج بين حاجتها إلى الدعم الدولي وبين تجنّب تفجير الوضع الداخلي.
بدائل دبلوماسية وحلول مقترحة
وبينما تبدو الخيارات الأمنية ضيقة، يدعو التقرير إلى التفكير في حلول تدريجية تقوم على الحوار الوطني والضمانات الدولية. ويقترح بعض الخبراء أن يُربط أي نقاش حول سلاح حزب الله بملف أكبر يشمل انسحاب إسرائيل من النقاط المتنازع عليها، ووضع ترتيبات دولية لحماية الحدود اللبنانية، إضافة إلى خطة زمنية لدمج جزء من قدرات الحزب ضمن الجيش اللبناني.
هذه المقاربة، وفق كثيرين، قد تمنح الدولة فرصة لاستعادة سيطرتها دون اللجوء إلى القوة، وتجنّب البلاد انفجاراً واسعاً.
سيناريوهات ما بعد المهلة
مع اقتراب نهاية المهلة الأميركية، تبدو الخيارات أمام لبنان جميعها صعبة:
تنفيذ جزئي أو تدريجي للخطة، وهو السيناريو الذي قد يحظى بقبول دولي مشروط.
تجميد الملف، ما يعني بقاء الوضع على حاله واستمرار الضغوط.
مواجهة مفتوحة بين الدولة والحزب، وهو خيار مستبعد لكنه قائم في حال تغيّرت الظروف السياسية.
حل دولي متعدد الأطراف يربط السلاح بضمانات وانسحاب إسرائيلي، وهو الأكثر واقعية لكنه يحتاج وقتاً وتوافقاً دولياً.
خاتمة
في المحصلة، يوضح تقرير ذا كونفيرسيشن أن لبنان يقف عند مفترق وجودي: إما بناء دولة مكتملة السيادة، أو استمرار نموذج اللادولة بكل مخاطره. ومع أن نزع السلاح يبدو هدفاً بعيداً، إلا أن ضغوط المجتمع الدولي وتغيّر البيئة الإقليمية قد تجعل العام المقبل عاماً مفصلياً في العلاقة بين حزب الله والدولة اللبنانية.
ما هو مؤكد أن لبنان، الذي يعيش منذ سنوات على حافة الانهيار، لم يعد يحتمل صدمات جديدة. ولذلك، فإن أي خطوة نحو نزع السلاح يجب أن تأتي في إطار تفاهمات داخلية واسعة وضمانات دولية واضحة، وإلا فإن البلاد ستظل مهددة بانفجار جديد في أي لحظة.