"وول ستريت جورنال": حماس تستهدف العائلات في غزة بحملة قمع دامية
في تقرير مطوّل، كشفت صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية عن تصاعد حملة قمع داخلية تنفذها حركة حماس ضد سكان قطاع غزة، في وقتٍ تعيش فيه المنطقة مرحلة انتقالية حساسة بعد بدء انسحاب القوات الإسرائيلية من بعض المناطق. ووفقاً للصحيفة، فإن الحركة التي خرجت من حرب مدمرة مع إسرائيل تواجه اليوم غضباً شعبياً واسعاً في الداخل، وتتعامل معه بقبضةٍ حديدية تستهدف المعارضين والمنتقدين وحتى العائلات التي فقدت أبناءها في الحرب.
قمع ممنهج ضد المدنيين
تؤكد وول ستريت جورنال أن مقاتلي حماس شنّوا خلال الأسابيع الأخيرة حملة دهم واعتقال في مناطق مختلفة من القطاع، استهدفت عشرات المواطنين الذين عبّروا عن استيائهم من إدارة الحركة للأزمة أو اتهموها بالتسبب في مقتل أقاربهم خلال القتال. وتشير الصحيفة إلى أن هذه الممارسات شملت التعذيب والاحتجاز القسري، وسط تزايد حالات الإخفاء والتهديد بالقتل، في محاولة من الحركة لإعادة فرض سيطرتها الأمنية بعد أشهر من الفوضى والدمار.
ونقلت الصحيفة عن سكان محليين وشهود عيان أن عناصر من الجناح العسكري لحماس اقتحموا منازل في مناطق الزيتون وخان يونس وبيت لاهيا، واعتقلوا شباناً نشروا على وسائل التواصل الاجتماعي انتقادات للحركة أو مطالبات بالتحقيق في ممارساتها خلال الحرب. وأضافت أن بعض العائلات التي فقدت أبناءها في القتال أصبحت هدفاً خاصاً لهذه الحملة، حيث تتهمها حماس بـ"تشويه صورة المقاومة" أو "خدمة أجندات خارجية".
الخوف يعم الشوارع
تصف الصحيفة الأجواء في غزة بأنها "مخنوقة بالخوف"، إذ يسود شعور عام بأن أي كلمة انتقاد يمكن أن تُعرّض صاحبها للملاحقة أو الاعتقال. وتقول إحدى السيدات، التي فقدت ابنها في القصف الإسرائيلي، إنها تلقت تهديدات مباشرة من مسؤولين في الحركة بعد أن تحدثت علناً عن فشل حماس في حمايتهم. وتضيف: "لم نعد نجرؤ على الكلام. الناس تهمس فقط في البيوت. حتى الجيران لم يعودوا يثقون ببعضهم".
كما تشير الصحيفة إلى أن حملات القمع امتدت إلى بعض الصحفيين المحليين والناشطين الإنسانيين الذين حاولوا توثيق الانتهاكات أو إيصال المساعدات خارج قنوات حماس الرسمية. وتقول إن الحركة فرضت رقابة مشددة على شبكات الإنترنت والاتصالات، ما جعل من الصعب على السكان توثيق الأحداث أو إيصالها إلى الخارج.
أزمة داخلية بعد الحرب
ترى وول ستريت جورنال أن حماس تواجه حالياً تحدياً داخلياً غير مسبوق بعد الحرب التي دمرت أجزاء واسعة من القطاع وأوقعت عشرات الآلاف من القتلى والجرحى. فبينما بدأت إسرائيل بسحب بعض قواتها وإعادة الانتشار، تجد الحركة نفسها في مأزق سياسي وإنساني مع تراجع الدعم الشعبي وفقدان السيطرة على المشهد العام. وتشير الصحيفة إلى أن كثيراً من العائلات الغزية تعتبر أن الحركة تخلت عنها خلال الحرب وتركت المدنيين عرضة للقصف دون توفير ملاذات آمنة أو ممرات إنسانية.
ونقلت الصحيفة عن محللين أن قيادة حماس، وعلى رأسها يحيى السنوار، تحاول اليوم إعادة تثبيت سلطتها من خلال القوة المفرطة، في ظل انقسامات داخلية بين جناحيها السياسي والعسكري، وتزايد الضغوط من وسطاء إقليميين ودوليين لدفعها نحو قبول تسوية طويلة الأمد في غزة.
الانتقادات الدولية
أثار تقرير وول ستريت جورنال ردود فعل قوية في الأوساط الحقوقية الدولية، حيث حذّرت منظمات إنسانية من أن الانتهاكات التي تمارسها حماس ضد سكان غزة تمثل "جرائم جسيمة" بحق المدنيين الذين يفترض أن تحميهم. ودعت إلى فتح تحقيقات مستقلة حول حالات الاعتقال التعسفي والتعذيب التي وثقتها منظمات محلية، معتبرة أن استمرار هذا النهج يهدد النسيج الاجتماعي الهش في القطاع ويقوض فرص التعافي.
كما أشار التقرير إلى أن هذه الانتهاكات تجري في ظل غياب شبه كامل للرقابة الخارجية، إذ لا يسمح لحركات حقوق الإنسان أو وسائل الإعلام الدولية بدخول معظم المناطق المتضررة. وأوضح أن بعض العائلات تحاول اللجوء إلى الأمم المتحدة أو المنظمات الدولية لتقديم شكاوى، لكن معظمها يخشى الانتقام.
المجتمع الغزي بين الصمت والانقسام
يقول مراقبون تحدثوا للصحيفة إن المجتمع الغزي يعيش اليوم حالة من الانقسام العميق بين مؤيدين ما زالوا يرون في حماس "رمزاً للمقاومة"، ومعارضين يعتبرونها سبباً في مآسيهم. ومع ذلك، يتفق الطرفان على أن القطاع يعيش أزمة غير مسبوقة من الفقر والبطالة وانهيار الخدمات، وأن السلطة القائمة عاجزة عن توفير حلول واقعية أو حتى أفق سياسي جديد.
ويشير التقرير إلى أن المشهد الاقتصادي المتدهور، إلى جانب فقدان آلاف الأسر لمنازلها، جعل من الأطفال والنساء الفئة الأكثر تضرراً. فالكثير من الأطفال انقطعوا عن التعليم، فيما لجأت الأسر إلى الزواج المبكر أو العمل في الشوارع لتأمين احتياجاتها. ورغم هذه المعاناة، تواصل أجهزة حماس ملاحقة أي مبادرة مستقلة للإغاثة أو الدعم النفسي خارج سيطرتها المباشرة.
محاولات لفرض الصمت
بحسب وول ستريت جورنال، فإن حملة القمع تهدف بالأساس إلى إسكات أي صوت قد يطالب بمحاسبة قادة الحركة أو يدعو لتغيير سياسي في غزة بعد الحرب. وتضيف أن بعض النشطاء الذين حاولوا تشكيل مجموعات مدنية للمطالبة بالإصلاحات اختفوا خلال الأيام الماضية، فيما أُجبر آخرون على توقيع تعهدات بعدم "التحدث إلى وسائل الإعلام الأجنبية".
ويرى محللون تحدثوا للصحيفة أن هذه السياسة قد تنجح مؤقتاً في فرض الهدوء، لكنها على المدى البعيد ستؤدي إلى انفجار اجتماعي جديد، خاصة مع غياب الأفق السياسي واستمرار المعاناة الاقتصادية. وقال أحد الخبراء: "حماس قد تكون انتصرت على الأصوات المعارضة اليوم، لكنها خسرت ثقة الشارع الذي كانت تعتبره رصيدها الأقوى".
المستقبل المجهول للقطاع
يختم التقرير بتأكيد أن غزة تقف اليوم أمام مفترق طرق حاسم. فبينما تسعى بعض الأطراف الدولية لإرساء ترتيبات أمنية جديدة بعد الانسحاب الإسرائيلي الجزئي، يبدو أن حماس تتجه إلى تشديد قبضتها أكثر من الانفتاح على أي شراكة أو إصلاح داخلي. ويحذر مراقبون من أن استمرار هذه السياسة قد يدفع القطاع نحو دورة جديدة من العنف الداخلي، أو حتى صدام بين الفصائل الفلسطينية نفسها.
وتقول الصحيفة إن مشهد "المقاتلين الملثمين الذين يقتحمون بيوت العائلات المنكوبة في غزة" أصبح رمزاً لمأساة مضاعفة يعيشها السكان، إذ وجدوا أنفسهم ضحايا للحرب من جهة، وللقمع الداخلي من جهة أخرى. وبينما لا يزال العالم يركز على تداعيات الصراع مع إسرائيل، فإن ما يجري داخل غزة، بحسب الصحيفة، يكشف عن أزمة أعمق تهدد مستقبل المجتمع الفلسطيني بأكمله.