"وول ستريت جورنال" ترصد إجراءات الجيش الإسرائيلي لتقسيم قطاع غزة إلى جزئين
رصدت جريدة "وول ستريت جورنال" إجراءات الجيش الإسرائيلي لتعزيز وجوده على طول خط وقف إطلاق النار داخل قطاع غزة، عبر إقامة تحصينات جديدة وبنى تحتية إضافية تُقسِّم القطاع فعليًا إلى منطقتين.
وللمرة الأولى يوم الثلاثاء، اصطحب الجيش الإسرائيلي مجموعة من الصحفيين لمعاينة ما يُعرف بـ«الخط الأصفر» الذي يفصل بين المناطق الخاضعة لسيطرة إسرائيل وتلك التي تديرها حركة «حماس»، منذ دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في وقت سابق من الشهر الجاري.
وعلى امتداد هذا الخط، الذي يقسم قطاع غزة تقريبًا إلى نصفين بحسب خطة السلام التي طرحتها إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، تتمركز القوات الإسرائيلية في مواقعها الحالية وتُقيم مواقع جديدة، مدعومة بالدبابات والأسلاك الشائكة ومتاريس من الرمال.
ويقع الموقع الذي زارته صحيفة وول ستريت جورنال على مرتفع يُشرف على حي الشجاعية الذي تحول إلى أنقاض. وبين الموقع وتلك الأنقاض ترتفع سواتر رملية بارتفاع طابقين تقريبًا تعلوها أسلاك شائكة، ويمر أسفلها طريق رملي واسع بما يكفي لعبور سيارتين، يحيط به ساتر أقصر من الجهة القريبة من المناطق المدمرة، وكانت الطائرات المسيّرة تحلّق فوق المنطقة باستمرار.
ويتواجد هذا الموقع على بُعد بضع مئات الأمتار خلف الخط الأصفر، وأوضح الجنود أن هذا الخط يسير على التوازي مع تقاطع منطقة الشجاعية المدمرة مع مركز المدينة الذي ما يزال قائمًا رغم الأضرار الكبيرة.
ويعمل الجيش الإسرائيلي على وضع كتل خرسانية مطلية باللون الأصفر لتحديد الخط رسميًا، إلا أن نحو 10% إلى 20% فقط من هذا العمل قد أُنجز حتى الآن، بحسب مسؤولين عسكريين.
وبموجب خطة السلام التي أطلقها الرئيس ترامب، يُفترض أن تنسحب إسرائيل تدريجيًا باتجاه حدود قطاع غزة بعد انتشار قوة أمنية دولية ونزع سلاح حركة «حماس».
غير أن الحركة ترفض التخلي عن أسلحتها، وتواصل تعزيز قبضتها على القطاع. ويوم الثلاثاء، تجددت الاشتباكات بعد أن قالت إسرائيل إن عناصر من حماس أطلقوا النار على جنود متمركزين في مناطق خاضعة للسيطرة الإسرائيلية جنوب غزة، في «انتهاكٍ لوقف إطلاق النار»، وفق مسؤول عسكري إسرائيلي، مشيرًا إلى إصابة أحد الجنود.
ويرى محللون أن هذه الاشتباكات المتكررة تشير إلى سعي «حماس» للاحتفاظ بدورٍ سياسي في مرحلة ما بعد الحرب. بينما يقول مسؤولون في الجيش الإسرائيلي إنهم يستعدون لاحتمال أن يبقى «الخط الأصفر» موقعهم الدفاعي الرئيسي في المستقبل المنظور.
وفي حال واصلت حركة «حماس» رفضها نزع سلاحها، تعمل الولايات المتحدة وإسرائيل على إعداد خطة لبدء إعادة إعمار قطاع غزة في المناطق الواقعة تحت السيطرة الإسرائيلية فقط، وفق ما كشفه الأسبوع الماضي في إسرائيل نائب الرئيس الأميركي جيه دي فانس وصهر الرئيس السابق دونالد ترامب، جاريد كوشنر.
وأوضح المسؤولان أن هذه الخطة ستتيح للفلسطينيين «مكانًا أكثر أمانًا للعيش» إلى أن تتخلى حماس عن سلاحها.
وقال مسؤول عسكري إسرائيلي رفيع إن إسرائيل بدأت بالفعل في إنشاء بنى تحتية جديدة للمياه والكهرباء على جانبها من «الخط الأصفر» لتسهيل تنفيذ الخطة. وأضاف أن هناك أيضًا خططًا لإنشاء مراكز جديدة لتوزيع المساعدات الإنسانية على طول الخط، مشيرًا إلى أنه لم يُحسم بعد في أي جانب من الخط ستُقام هذه المراكز، لكنها «ستُخصَّص لخدمة الفلسطينيين على الجانبين».
ورأى أفنير غولوف، المسؤول السابق في جهاز الأمن القومي الإسرائيلي ونائب رئيس مجموعة «مايند إسرائيل» الاستشارية، أن «الخط الأصفر يمنح إسرائيل خيارًا مهمًا لبناء بديل لحماس داخل غزة». وأضاف: «هذا أحد أهم إنجازات هذا الاتفاق. وبالنظر إلى قسوة البدائل الأخرى، نحن بحاجة إلى حلول مبتكرة».
وكان الموقع الذي زارته صحيفة "وول ستريت جورنال" الثلاثاء قد استضاف في وقت سابق من الشهر الجاري كوشنر والمبعوث الأميركي الخاص ستيف ويتكوف.
ووفق المسؤول العسكري الإسرائيلي الرفيع، يعيش الآن مئات الفلسطينيين على الجانب الإسرائيلي من الخط الأصفر، في حين يقيم نحو مليوني فلسطيني آخرين في الجانب الخاضع لسيطرة حركة حماس. وبين هؤلاء سكان من غزة انتقدوا الحركة خلال الحرب ويخشون الآن انتقامها، بحسب المسؤول نفسه.
وخلال مفاوضات وقف إطلاق النار، أصرت إسرائيل على أن تسيطر على المرتفعات الممتدة على طول الخط الأصفر لتتمكن من مراقبته وتأمينه من مسافة آمنة، وفق المصدر ذاته، الذي أكد أن «الخط بكامله يمكن الدفاع عنه»، رغم أنه في بعض مناطق وسط غزة يقترب كثيرًا من حدود إسرائيل.
وأشار المسؤول إلى أن مقاتلي حماس شنّوا سلسلة هجمات ضد القوات الإسرائيلية المتمركزة على طول الخط منذ بدء سريان وقف إطلاق النار، موضحًا أنه في إحدى الحالات تسلل عناصر من الحركة إلى عمق المناطق الواقعة تحت السيطرة الإسرائيلية في جنوب غزة وقتلوا جنديين في موقع ظل خاضعًا للجيش الإسرائيلي لعدة أشهر.
وتقدّر المؤسسة العسكرية الإسرائيلية أن مئات المقاتلين من حماس لا يزالون مختبئين في أنفاق داخل المناطق التي تسيطر عليها إسرائيل في القطاع، وأنهم يحتفظون بخطوط اتصال مع قياداتهم، بينما تواصل القوات الإسرائيلية إزالة العبوات الناسفة التي زرعتها الحركة.
وبحسب المسؤول العسكري، ما تزال حماس تحتفظ بنحو 15 ألف مقاتل مسلح في غزة، مع بقاء هيكلها القيادي «سليمًا إلى حد كبير».
ورغم الغموض الذي يكتنف مواقع بعض أجزاء «الخط الأصفر»، أطلقت القوات الإسرائيلية النار على فلسطينيين اقتربوا منه كثيرًا. وفي إحدى الحوادث، قال الجيش إنه أطلق النار على سيارة لم تتوقف عند التحذير، فيما أفادت مصادر في غزة بأن الحادث أسفر عن مقتل 11 مدنيًا.