"تفكيك" حزب الله وتعاون في الطاقة والمياه.. خارطة أميركية للسلام بين لبنان وإسرائيل

يبدو أن واشنطن تعيد فتح ملف العلاقات اللبنانية – الإسرائيلية من زاوية مختلفة هذه المرة، لا عبر الوساطة التقنية أو الاتفاقات الجزئية، بل من خلال رؤية أوسع لما تسميه "السلام المتدرج"، الذي يقوم على مراحل تبدأ من الاقتصاد والطاقة وتنتهي بترتيبات أمنية قد تُفضي لاحقًا إلى اعتراف دبلوماسي.

هذا ما خلص إليه تقرير جديد صادر عن "معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى"، كشف عن ملامح "خارطة طريق" تسعى الولايات المتحدة لطرحها على كل من بيروت وتل أبيب في ظل التحولات الإقليمية العميقة التي تشهدها المنطقة منذ عام 2024.

من ترسيم الحدود إلى فتح الملفات الكبرى

يرى التقرير أن اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل عام 2022 كان بمثابة "النقطة المفصلية" التي برهنت أن الحوار بين الجانبين ممكن إذا توافرت الإرادة السياسية والمكاسب الاقتصادية.

وبحسب معدّي التقرير، فإن الإدارة الأميركية "تسعى لاستثمار هذا الاختراق التاريخي لتوسيع دائرة التفاهم، بحيث تشمل الملفات البرية والأمنية والاقتصادية"، مع التركيز على المصالح الملموسة التي يمكن أن تدفع الأطراف للالتقاء.

ووفقاً للتقرير، لا تسعى واشنطن إلى فرض سلام شامل سريع، بل إلى بناء "خطوات تدريجية" تهيئ الأرضية للتفاهم، بدءًا من ترتيبات أمن الحدود الجنوبية اللبنانية، مرورًا بإنشاء مناطق اقتصادية مشتركة في البحر، وصولاً إلى مشاريع بنية تحتية في مجالات الكهرباء والمياه والطاقة النظيفة.

"تفكيك تدريجي" لحزب الله

إحدى أبرز النقاط المثيرة في التقرير تتمثل في دعوته إلى إطلاق مسار "تفكيك منضبط" لقدرات حزب الله العسكرية، بحيث يتم إدماج عناصره تدريجيًا في المؤسسات الأمنية الرسمية، مقابل ضمانات دولية بدعم الجيش اللبناني سياسيًا واقتصاديًا.

ويصف التقرير هذا التوجه بأنه "المدخل الواقعي لأي عملية سلام مستقبلية"، معتبرًا أن بقاء الحزب كقوة مسلحة مستقلة "يشكل العائق الأكبر أمام أي تسوية دائمة".

ويشير إلى أن "واشنطن تدرك أن تفكيك الحزب لن يكون ممكنًا بقرار واحد، بل يحتاج إلى مزيج من الضغوط والعروض الاقتصادية"، من بينها إشراك الجنوب اللبناني في مشاريع تنموية وتمويل بنية تحتية تُنفذ عبر مؤسسات الدولة اللبنانية حصراً.

تعاون في الطاقة والمياه

التقرير يطرح فكرة إنشاء "صندوق تنمية إقليمي" بإشراف أميركي وأوروبي، يهدف إلى تطوير مشاريع طاقة مشتركة تشمل ربط شبكات الكهرباء بين لبنان وإسرائيل والأردن، واستثمار موارد الغاز شرق المتوسط بشكل متكامل.

كما يدعو إلى إطلاق برنامج تعاون في مجال إدارة المياه، نظرًا لتأثر البلدين بموجات الجفاف وتقلّب الموارد المائية، ويعتبر أن "الأمن المائي يمكن أن يكون نقطة التقاء إنسانية تتجاوز الحسابات السياسية".

ويقول التقرير إن "الولايات المتحدة تراهن على أن المصالح الاقتصادية المشتركة هي المحرك الأكثر فاعلية لتغيير مواقف الأطراف، كما حدث في اتفاقيات أبراهام"، مضيفًا أن "بيروت يمكن أن تستفيد من التمويل الدولي لتخفيف أزمتها الاقتصادية الخانقة إذا أبدت استعدادًا للتعاون الإقليمي".

مقاربة أميركية جديدة للسلام

يشير "معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى" إلى أن الإدارة الأميركية الحالية تتبنى سياسة "الخطوة مقابل الخطوة"، وهي مقاربة تبتعد عن الطرح التقليدي لاتفاقيات السلام الكاملة، وتركّز بدلًا من ذلك على إجراءات ملموسة ومحددة.

ووفقًا للتقرير، فإن البيت الأبيض "يرى أن الوقت قد حان لتكرار نموذج ترسيم الحدود البحرية، ولكن في ملفات أوسع، مع إشراك الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول عربية وازنة مثل مصر والأردن والإمارات".

ويضيف أن نجاح هذه الرؤية يعتمد على مدى استعداد لبنان الرسمي للانخراط في مفاوضات عملية، بعيدًا عن تأثير "الفيتو السياسي" الذي يفرضه حزب الله، وعلى قدرة إسرائيل على تقديم تنازلات رمزية تتعلق بمزارع شبعا أو ملف اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، ما قد يفتح الباب أمام "تفاهمات تاريخية تدريجية" خلال السنوات المقبلة.

"تطبيع هادئ" لا يعلن رسميًا

التقرير يلفت إلى أن السلام المقترح بين لبنان وإسرائيل لن يُطرح في البداية كاتفاق تطبيع علني، بل سيجري تسويقه تحت عنوان "التعاون الفني أو الإقليمي"، بحيث يتمكن الطرفان من تحقيق مكاسب متبادلة دون إثارة الحساسية السياسية.

ويقول إن "الولايات المتحدة تراهن على أن الخطوات الصغيرة المتراكمة ستخلق واقعًا جديدًا يصعب التراجع عنه"، مضيفًا أن "القبول الشعبي في لبنان سيتشكل تدريجيًا عبر رؤية فوائد ملموسة في الكهرباء والمياه وفرص العمل".

كما يشير التقرير إلى أن بعض الدوائر الدبلوماسية في بيروت بدأت بالفعل مناقشة إمكانية توسيع قنوات التواصل غير الرسمية مع الجانب الإسرائيلي، خصوصًا في الملفات التقنية التي ترتبط بالمؤسسات الدولية أو الشركات الخاصة العاملة في مجال الغاز والطاقة.

الدور الأوروبي والعربي

يلفت التقرير إلى أن أوروبا تنظر باهتمام إلى أي مشروع يخفف من توتر الحدود الشمالية لإسرائيل ويؤمن مصادر جديدة للطاقة، خاصة في ظل تداعيات الحرب الأوكرانية على سوق الغاز.

وفي المقابل، ترى بعض الدول العربية أن انخراط لبنان في مشاريع تعاون إقليمي قد يسهم في "كبح النفوذ الإيراني"، ويعيد التوازن إلى المعادلة السياسية اللبنانية التي مالت لعقود لصالح حزب الله.

ويؤكد التقرير أن "الدعم العربي – خصوصًا المالي – سيكون عنصرًا حاسمًا في إنجاح أي خارطة طريق"، مشيرًا إلى أن الرياض وأبوظبي والقاهرة "قد تلعب دورًا تكميليًا في تمويل مشاريع البنية التحتية مقابل التزام لبناني بالإصلاح والانفتاح الإقليمي".

التحديات أمام المبادرة

رغم طموح الرؤية الأميركية، فإن التقرير لا يغفل التحديات الجسيمة التي تواجهها، وعلى رأسها "الرفض الشعبي العميق لأي علاقة مع إسرائيل"، إضافة إلى الانقسام الداخلي الحاد في لبنان، وتراجع الثقة بالمؤسسات الرسمية.

كما يحذر من أن أي خطوة نحو تقليص نفوذ حزب الله "قد تثير ردود فعل عنيفة أو تصعيدًا ميدانيًا"، ما يستوجب – وفق التقرير – "مقاربة حذرة تقوم على التدرج والضمانات الأمنية الدولية".

ويخلص التقرير إلى أن نجاح هذه "الخارطة الأميركية" مرهون بقدرة واشنطن على الجمع بين الحوافز الاقتصادية والضغوط الدبلوماسية، وإقناع القوى الإقليمية الكبرى بأن السلام بين لبنان وإسرائيل "ليس فقط ممكنًا، بل ضروريًا لضمان استقرار شرق المتوسط بأكمله".

Previous
Previous

"وول ستريت جورنال" ترصد إجراءات الجيش الإسرائيلي لتقسيم قطاع غزة إلى جزئين

Next
Next

"مفاوضات غير معلنة".. ماذا يريد الكرملين من الشرع؟