وول ستريت جورنال: أحداث السويداء كشفت "هشاشة" السلطة في دمشق
قالت جريدة "وول ستريت جورنال" أن الاشتباكات والأحداث التي شهدتها مدينة السويداء جنوب سوريا خلال الأيام الماضية كشفت "هشاشة" السلطة المركزية في العاصمة دمشق.
وأضافت الجريدة الأميركية": "الخطر الذي اندلع من العنف الطائفي في الجنوب السوري ينم عن فشل السلطات الحالية في تحقيق أي استقرار ملموس رغم الرؤية الرسمية لبناء نظام يجمع الكل ويضم كافة الطوائف والمناطق".
جذور العنف: شرارة قابلة للاشتعال
وفي 11 يوليو 2025، تعرض تاجر درزي للاختطاف على يد أفراد من قبائل بدوية خلال قيادته سيارته على طريق دمشق–السويداء، لتشتعل الأمور سريعا، ويجتاح العنف أحياء السويداء والمناطق المحيطة، وسُجل عدد كبير من الخسائر البشرية بين المدنيين والمسلحين إثر المواجهات المكثفة.
وفي اليوم التالي، دفعت الحكومة السورية بقوات إلى السويداء، معلنة أنها جاءت لمنع تفاقم العنف، لكن موقفًا درزيًّا واضحًا أشار إلى أنها جاءت لدعم القبائل، لا الوقوف على الحياد. لم يكتفِ ذلك فحسب: فقد صنّفت الحكومة بعض العناصر المشاركة في العنف بوصفها من القوات الرسمية، وهو ما تعمق الخلاف، وأثار شكوكًا حول حياد الدولة بشأن النزاع، وفق "وول ستريت جورنال".
ثم في 16 يوليو، شنّت إسرائيل غارات جوية على مقرات عسكرية في دمشق، بينها القصر الرئاسي ومقرات حكومية، قائلة إنها تتدخل من أجل "حماية الأقلية الدرزية المرتبطة بالدروز في داخل إسرائيل"، فيما "لم يبدِ النظام السوري الجديد أي استجابة فعّالة أو موقف واضح تجاه هذه الغارات، ما عمّق الإحساس بانهيار الحماية السيادية الوطنية"، حسب تحليل الجريدة الأميركية.
خسائر مفزعة
وفي يوم واحد فقط، سقط بين 150 إلى 300 شخصًا ما بين مسلح ومدني، حسب تقديرات أولية، وأكدت المصادر وقوع عمليات إعدام ميدانية، تورط في بعضها رجال يتبعون الأمن العام، كما توفي الأميركي من أصول سورية حسام سرايا، بعدما قتل على يد عناصر يرتدون زيا عسكريا، وقد كان في زيارة إلى أسرته الدرزية بالمنطقة.
أما النزوح فكان متسارعًا، حيث ترك آلاف من السكان مدنهم صوب المناطق الحدودية، مع انهيار شبه تام في البنية التحتية العلاجية والخدمات الأساسية.
قيادة مهزوزة
ورغم مرور سبعة أشهر على تشكيل الحكومة السورية الجديدة، فقد ظلت حتى الآن تفتقر "لأي شرعية جماهيرية حقيقية"، وهو ما تأكد خلال التوتر الطائفي، حيث تبدّلت مواقفه بين الخطاب الداعم للدروز والرغبة في احتواء النزاع، من دون قدرة تضليلية على التنفيذ، ما عزّز إحساس الجماعات المحلية بانفصال السلطة عن ساحات المعركة.
وفي ظل احتدام المواجهات بين المجموعات المسلحة المختلفة في السويداء، وانفراط عقد بعضها التي من المفترض أنها تتبع الحكومة، برزت الوساطات القبلية والمحلية التي سعت إلى التهدئة، وسد ثغرات خلفها عجز الحكومة عن السيطرة على الموقف.
تهدئة هشّة
بحضور أميركي وأردني ومغربي، توصلت الأطراف لتهدئة وصلت إلى انسحاب جزئي لقوات الحكومة من النوّاحي الساخنة. إلا أن كل ثغرة في التهدئة كانت تهدد بالعودة إلى الاشتباكات فورًا، وهذا التداعي المتكرر يؤكد عدم وجود بنية تنفيذية حقيقية ترتكز على دولة، حسب "وول سترتي جورنال".
هشاشة تفوق تصريحات التغيير
السلطة المركزية عاجزة عن حماية من تعتبرهم جزءًا من نسيجها الوطني، والوضع هنا يعكس تجذر النزاعات الطائفية وتمركزها في المجتمعات المحلية وتدخل قوات خارجية (مثل إسرائيل) يعكس انعدام الثقة داخل السويداء في المؤسسات الوطنية.
ستمثل أحداث السويداء تهديدا لقدرة الحكومة الجديدة في محاولتها لبسط سيطرتها في باقي مناطق سوريا، خصوصا في منطقة الشمال الشرقي والتعامل مع ملف الأكراد، ما يجعل سوريا أقرب للفوضى الشاملة من النظام المؤسسي.
وطرحت "وول ستريت جورنال" عدة تساؤلات بشأن الأزمة الحالية وهي "هل ستنجح دمشق في تأسيس قوة مركزية قادرة على بسط السيطرة والاستقرار في ربوع البلاد؟ هل سيقبل المجتمع الدرزي بإعادة السلاح للدولة المركزية؟ وكيف يقود النزوح والتحول الديموغرافي إلى إعادة تشكيل هوية الجنوب؟".
ليست السويداء حالة منفصلة؛ بل نموذج لانهيار السيطرة المركزية في سوريا ما بعد نظام بشار الأسد، فما جرى فيها يعكس هشاشة الجهاز الحكومي والأمني الحالي، إذا لم تُبَنَ الدولة بسلطة شرعية، وقادرة على ضبط كافة علاقاتها القبلية والطائفية، فإنها مهددة بالتصدع الكامل في مناطق أخرى أيضًا.