جدل اللهجة والتاريخ.. مسلسل الحشاشين في ميزان النقاد
القاهرة – جسور
على مدار 30 حلقة.. كان مسلسل الحشاشين الأكثر جدلا خلال شهر رمضان الماضي، بسبب طبيعة المسلسل التاريخية، التي تدور حول سيرة "حسن الصباح"، الرجل الذي عاش في القرن الحادي عشر، وأسس جماعة دينية متشددة، عرفت تاريخياً باسم "الحشاشين".
وقد اتخذت هذه الجماعة من قلعة "آلموت" الجبلية في إيران مقرّاً لها، وكانت عمليات الاغتيال ضد معارضيها منهجاً لها.
وأبدى المؤرخون والنقاد كثيرا من الملاحظات حول الأحداث التاريخية التي شهدها العمل الفني، ولا يوجد لها أي أساس في المصادر التاريخية، وكذلك الخلاف حول استخدام اللهجة العامية المصرية، بدلا من اللغة الفصحى التي كانت سائدة في المسلسلات التاريخية، سواء المصرية أو العربية.
وأسس حسن الصباح فرقة من أكثر المخلصين للعقيدة "الإسماعيلية النزارية"، وسماها بـ"الفدائيين"، وهم رجال لا يأبهون الموت في سبيل تحقيق هدفهم، حيث كان هؤلاء الفدائيون يلقون الرعب في قلوب الحكام والأمراء المعادين لهم، وتمكنوا من اغتيال العديد من الشخصيات المهمة، على رأسهم نظام الملك وزير الدولة السلجوقية، وآخرين.
جدل صحي
يقول الروائي المصري أحمد المرسي، مؤلف الرواية التاريخية "مغامرة على شرف الليدي ميتسي"، التي ترشحت للقائمة القصيرة لجائزة البوكر: "اتفقنا أو اختلفنا فمسلسل الحشاشين علامة فارقة في تاريخ الدراما، وأعتقد أنه يصنع تحديا أمام صناع الدراما المصرية فيما بعد ذلك، وفنيًا هو نقلة كبيرة، من حيث صناعة الصورة ولا شك، فضلا عن أن الإخراج، خاصة في تصوير المعارك وهو ما لم نره منذ زمن طويل في الدراما المصرية".
وأضاف المرسي، لموقع "جسور"، أن ما يثيره المسلسل من حالة جدل واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي هي حالة صحية جدًا، دفعت الناس إلى البحث والقراءة، وهذا دور مثالي للدراما، فقد شكل المسلسل حالة جيدة خلال السباق الرمضاني.
وأما عن التدقيق التاريخي، قال المرسي: "إني أراه في حالة الحسن بن الصباح غير ذي جدوى، فسيرة حياة الحسن بن الصباح هي سطور في كتب التاريخ، والمراجع التي تتحدث عنه لا تتعدى الـ 8 مراجع، ولذلك فإننا سنجد أن هناك بقع مظلمة كثيرة في سيرته، ويحق للمؤلف أن يملأ تلك البقع المظلمة بخياله، طالما أنه لم يتسبب في تغيير الحدث التاريخي المسجل".
ويرى أن "هذا يفتح أمامنا بابًا واسعًا من أجل فهم الفرق بين التاريخ والخيال التاريخي أو الدراما التاريخية، حتى كبار الكتاب الأوائل الذين كتبوا في التاريخ مثل "جورجي زيدان" و"أحمد علي باكثير" ملئوا البقع التاريخية المظلمة بخيالهم، مثالا على ذلك رواية "أرمانوسة المصرية" لجورجي زيدان، وقصة "حبها لعمرو بن العاص"، وهي قصة من خياله بالكامل، لم يتحدث عنها أي مصدر تاريخي".
العامية أم الفصحى؟
أما عن الجدل القائم حول استخدام اللغة العامية والعربية الفصحى، فيرى المرسي، أنه جدل لا طائل منه كذلك، فلا يوجد قاعدة تجبر صانع العمل على استخدام اللغة العربية الفصحة والعامية، كما أن العمل الفني والأدبي هو الذي يختار لغته، ضاربا المثل باستخدام العامية المصرية في فيلم "وإسلاماه"، ومع ذلك كان مقبولًا جدًا، وهو واحد من علامات السينما المصرية، بحد قوله.
وتابع: "أشخاص مسلسل الحشاشين كانوا يتحدثون اللغة التركية والفارسية في حقيقة الأمر، ولذلك، يكون أمام المؤلف حلين لا ثالث لهما، أحدهم أن يجعلهم يتحدثون تلك اللغات، وهذا حدث في أعمال درامية كثيرة مثل "آلام المسيح" من إخراج ميل جيبسون الذي جعل أبطاله يتحدثون اللغة الآرامية القديمة وهي لغة ميتة.
اقرأ أيضا: بعد ثمانية أجزاء.. هل حان وقت استراحة "الكبير أوي"؟
والحل الثاني أن يصنع المؤلف "لغة موازية"، يتفق عليها ضمنيًا مع قارئه أو مشاهده، على اعتبار أنها لغة موازية للغة الأصلية التي يتحدث بها أبطال عمله لأجل إيصال المعنى، لكن بشرط واحد هو عدم كسر الإيهام، مشيرا إلى أن اللغة أحيانًا تسقط إلى اللغة المعاصرة المحكية بتعبيراتها الحالية. وهو ما كسر لدي الإيهام أحيانًا، وعليه كنت أُفضل إما الإتزان الدائم في الحوار أو استخدام الفصحى بشكل أكثر أمانًا.
من جانبه، يقول الروائي هشام شعبان، إن قضية الحوار كونه بالعامية وليس الفصحى فهذه قضية قُتلت بحثا بين أوساط الأدباء والنقاد، وستبقى مثار جدل أبدي، و"كلا الرأيين صحيح".
الحقائق التاريخية
ويضيف شعبان، لموقع "جسور"، "أن مؤلف العمل عبد الرحيم كمال، قدم قصة شبه متكاملة الأركان، إذ يمكن خلال مشاهدة حلقات المسلسل كيفية تصاعد الأحداث وتطور الشخصيات، وربما بدا خلال الحلقات الأولى أن البناء الفني مربك، موضحا أن هذا أسلوب موجود ومجرب، وربما قرأنا تلك النوعية من الروايات في أعمال أخرى. لكن هذا أسلوب ربما لا يستسيغه مشاهد التلفزيون العادي".
وحول وجود أخطاء تاريخية في المسلسل، قال: "من خلال اطلاعي على شهادات بعض المتخصصين والدارسين لتلك الحقبة ولجماعة الحشاشين، يبدو أن هناك أخطاءًا بالفعل، وهذا يأخذنا إلى سؤال جديد وهو: هل العمل الفني أو الأدبي يجب أن يكون "كتاب تاريخ أو فيلم وثائقي"، وكلاهما يعتمد على الحقائق كركيزة أساسية؟؟.. في رأي لا.
وأكد أن العمل الأدبي أو الفني يسمو فوق ذلك، والطبيعي في هذا السياق أن يستقي المؤلف من التاريخ الإطار العام ليس إلا، ومن ثم ينطلق في فضاءات الخيال والرؤية الخاصة به، وهذا ما قدمه المؤلف بمزجه التاريخ بعناصر الحكاية والخيال المفعم بمسحات صوفية وميتافيزيقية، وبإسقاطات سياسية كانت ملائمة لوجهة نظر صناعه".
وأشار إلى أن "كثيرا من شخصيات العمل نطقت بما يعكس بيئتها ودورها في الأحداث، وتطورت كما يجب أن يكون، وأخص بالذكر هنا شخصيات حسن الصباح وعمر الخيام ويحيى بن سعيد وزيد بن سيحون وبرزق أميد.
في المقابل، كان حضور شخصيات أخرى فقيرا، وعلى رأسهم شخصية الإمام الغزالي التي لم تأخذ حقها، لتكشف أكثر عن هكذا شخصية مهمة ومحورية.
]]>