هل الأتراك عنصريون؟.. عداوات تاريخية مع جنسيات وعرقيات امتدت للداخل تكشف سبب كراهية الغير
أنا تركي فاخرجوا من بلادنا.. لعل هذه العبارة أكثر ما يسمعها العرب السائحون في أي مدينة تركية يهبط عليها، حتى ولو كان ثريا ذهب لمجرد الاستمتاع بحاضرة الأناضول وجبالها ومياهها وتاريخها ويساهم في رواج الاقتصاد وحركة السياحة.
حتى أنه و ما بين الحين والآخر، تصطدم أحلام السوريين بل وأغلب اللاجئين العرب والأفغان وغيرهم، من الباحثين عن أمن يلملم شتاتهم ويحقق سلامهم المفقود على عتبات اللجوء ، بعواصف عنصرية من قبل مضيفيهم، في تركيا التي ينقسم شعبها ما بين نصف معاد لكل تواجد عربي في بلادهم ولكل من يتحدث العربية، ونصف أخر يرى نفسه ممزقا ما بين إنسانيته، وما ببن رغبته في التخلص من التواجد السوري والعربي على أرضه تحت مبرر الخوف من تآكل الجنس والعرق التركي، نتيجة انتشار اللاجئين في مناطق كثيرة .
قيصرى لن تكون الأخيرة
ولعل أحداث قيصرى التي شهدت عنفا دمويا من قبل بعض عناصر الأتراك الرافضين لتواجد العرب واللاجئين، خير شاهد على أنها امتداد لسلاسل وأحداث مستمرة، بل وجذور تاريخية من العنصرية لم ولن تنتهي، أمام كل من بتواجد على أرض الأتراك، بل أن الأغرب والأكثر دعما لهذه النظرية هو امتداد عنصرية الأتراك لمجتمعهم من الداخل نفسه .
وبالرغم من سيطرة قوات الأمن على الأحداث في قيصري،. واعتقال مئات الأتراك من المحرضين على العنف ضد السوريين واللاجئين، لا يزال اللاجئون السوريون والعرب، يخشون الخروج من منازلهم، خاصة بعد مشاهد عنصرية طالت سعوديين كويتيين وآخرين.
وشهدت قيصري تدمير عدد كبير من السيارات وأماكن العمل التي يعمل فيها السوريون والعرب، وتحطيم ممتلكاتهم، بل وسحل والتعدي على عدد كبير منهم، ما أدى لرد بعض السوريين بأحداث مماثلة ضد القوات التركية المتواجدة في مدينة عفرين بالشمال السوري.
في وقت كان تتحدث فيه الإدارة التركية عن ترحيبها بالتقارب مع النظام السوري مجددا، عقب تصريحات رئيس النظام بشار الأسد.
يقول الصحفي السوري مجاهد عبد الله المقيم في مدينة إسطنبول التركية، في تصريحات لموقع "جسور"، إن هناك عمل ممنهج ضد السوريين في تركيا، أدت في نهاية هذه السلسة الممتدة من الجرائم العنصرية، إلى أنه لا أمان لسوري في تركيا، مضيفا أن الخطاب العنصري ضدهم، هو جزء من خطاب قطاع عريض من الشعب التركي، أدى لسقوط قتلى وجرحى.
وأكد مجاهد، أن هذه العنصرية المستمرة، لا يمكن أن تكون صدفة، كما لا يمكن وضعه في إطار الحوادث الفردية، بل عمل ممنهج, على منصات التواصل الاجتماعي، خاصة (إكس) ضد السوريين والعرب، حتى أنه في أسبوع واحد قتل3 سوريين في كونيا وإزمير ، عقب هذه الاعتداءات.
بل زاد مجاهد في تصريحاته، قائلا، إن بعد هذا الخطاب المعادي لبقاء اللاجئين السوريين والعرب، وأحداث قيصىرى الأخيرة، اتسع الخوف للمقيمين والسياح العرب، من الحديث باللغة العربية في أي مكان، خاصة في المواصلات العامة.
هل قيصري أحداث مفتعلة
يقول الخبير السياسي التركي، إسلام أوزكان، في تصريحات خاصة لموقع "جسور"، إنه بالرغم من عودة الهدوء، وسيطرة قوات الأمن على الأحداث. ومع ذلك، لا يزال اللاجئون السوريون يخشون الخروج من منازلهم، موضحا أنه عندما ننظر إلى الأماكن التي وقعت فيها الحوادث، من الملاحظ أن معظم المشاركين فيها تتراوح أعمارهم بين 15-20 عامًا، كما أن معدلات تعاطي المخدرات والجريمة مرتفعة في هذه المناطق.
وأوضح أوزكان لموقع "جسور", أن وقوع الهجمات في مدن مختلفة في وقت واحد يشير إلى أن الحوادث قد تكون مفتعلة وأن مراكز قوى معينة قد تكون هي من حرضت على هذه الحوادث، مؤكدا أن المسؤولية الرئيسية عن هذه الحوادث تقع على عاتق حكومة حزب العدالة والتنمية التي تأخرت في التدخل، وعانت من ضعف استخباراتي وأمني، ولم تتخذ أي إجراءات رغم وقوع هذه الحوادث عدة مرات من قبل.
ومع ذلك، فإن الدولة، وخاصة قوات الأمن والبيروقراطية، والجماعات اليمينية والعنصرية ذات الأجندات المتداخلة داخل الدولة العميقة، لها دور في هذه الأحداث، وليست مصادفة خاصة أن كل هذه الأحداث جاءت فترة التقارب بين أنقرة ودمشق، بحد قوله.
وأكد أوزكان، أن هناك بعض أعراض القومية العلنية وحتى العنصرية في بعض شرائح المجتمع التركي. ومع ذلك، بشكل عام، لا يمكن القول بأن المجتمع التركي مجتمع عنصري بأكمله، بل يجب أن يقال أن هناك أيضًا مجموعة جادة من الأشخاص الذين يحاولون حماية اللاجئين في قيصري وفي الأماكن التي تحدث فيها هجمات ضد اللاجئين.
سجل الأتراك حافل بالعنصرية
من جانبه، يقول الدكتور سامح قدري، مدرس العلوم الإنسانية بجامعة مرمرة، في تصريحات خاصة لموقع "جسور"، إن هناك سلسة تاريخية ممتدة في حياة الأتراك، تفسر سر عنصريتهم ضد أي جنس أخر، بل ولأنفسهم أيضا، موضحا أن سبب الموقف العنصري والنفسي المتبلور لدى الأتراك ضد كل ما هو عربي أو حتى أجنبي، ليس وليد اللحظة، بل جذوره تمتد إلى نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين.
ودلل قدري على عمق تاريخ عنصرية الأتراك ضد العرب، منذ بدايات الدعوة إلى القومية العربية في المشرق العربي، التي كان من بين تداعياتها محاصرة النفوذ التركي والعثماني في الشرق العربي، ومناهضة التتريك في الأراضي التي تسيطر عليها الدولة العثمانية.
وأضاف قدري، أنه وبالرغم من أن العرب لم تنظر للدولة العثمانية كاحتلال، ولكن مع ذلك
لم يسلم العرب من عنصرية الدولة التركية الحديثة، كما لم تسلم منها في ظل الخلافة، ما خلق نضال قومي ضد الوجود التركي، لاسيما في الشام وفي مصر، حتى سقطت إمبراطوريتهم.
وأوضح أن هذه الأحداث خلقت موقفا نفسيًا لدى الأتراك تجاه العرب، مع تأسيس الجمهورية التركية، التي أضمرت عداء تاريخياً للعرب، وهاجمت كل ما هو عربي، حتى أنها بدلت حروف لغتهم بالحروف اللاتينية بعد كانت طوال قرون حروفًا عربية.
شاهد أخر في إبادة الأرمن
وقال الدكتور سامح قدري، إن هناك شاهد أخر على جذور العنصربة لدى الأتراك تاريخيا، من خلال الاعتداء على طوائف أخرى عاشت في ظل الإمبراطورية العثمانية، مثل الأرمن، والذين شهدوا مذابح على يد الأتراك، رغم عدم اعتراف تركيا إلى الآن، بمذابحها الجماعية ضدهم، موضحا أنه
في عام 1915، وتحديدًا في 24 إبريل، جمعت حكومة الإمبراطورية العثمانية التركية، نحو 250 شخصًا من الطائفة الأرمينية في إسطنبول وأعدمتهم، لتنطلق بعدها شرارة القتل والتهجير القسري والتعذيب والتجويع ضد الأرمن، مما أسفر عن مقتل نحو مليون أرمني؛ بسبب مطالبتهم بالحقوق السياسية أسوة باليونانيين وشعب البلغار.
وأضاف، أن الأرمن واجهوا عنصرية غير مسبوقة من الأتراك، بتحملهم أعباء ضريبية باهظة، وإجبارهم على المشاركة في الحرب العالمية الثانية، وتفضيل الأتراك ضدهم في الحقوق والواجبات.
اليونانيون أيضا
كما أشار قدري، إلى أن اليونانيين أيضا في عام 1913، واجهوا عنصرية الأتراك، بعدما قامت حكومة "تركيا الفتاة" جراء الحرب، بالتحريض ضد الأقلية اليونانية في البنطس وغيرها من المناطق التي كانت تقطنها الأقليات الإغريقية.
كما قامت، بحملة إبادة جماعية ضد اليونانيين أثناء وبعد الحرب العالمية الأولى، ووصل عدد القتلى في هذه المذابح إلى نحو مليون ونصف المليون قتيل، وطالت هذه الهجمة حرق كنائسهم.
كما أن اليهود واجهوا أيضا عنصرية الترك المنظم، وتعرضت معابدهم للهجوم أكثر من مرة.
الحرب ضد الأكراد
واختتم الدكتور سامح قدري نظريته، بحرب الأتراك ضد الأكراد لفترة طويلة، أدت لقتل 13 ألفًا على الأقل، في أحداث "درسيم" وترحيلةنحو 12 ألفًا إلى المنفى.
عنصرية طالت أنفسهم
في حين يقول الصحفي المتخصص في الشأن التركي، شريف الزين، إنه من المضحك أن ترى عنصرية الأتراك للحد الذي وصلت فيه للتنمر على بعضهم بعضا، وتقسيمهم إلى أتراك سود وأتراك بيض،
موضحا أن هذا التقسيم لم يكن مبنيا على اللون في حقيقة الأمر، بل لمجرد أي خلاف فكري بينهم.
وبحسب الزين، يعنى بالتوجه الأول، الأتراك البيض، على أنهم من الطبقات الميسورة، التي تحظى بوظائف مرموقة، وبتسهيلات تقدمها الحكومة لهم، مما أسهمت في احتكارهم لمناصب الثروة في البلاد، بعد إنشاء دولة تركيا.
وقال الزين ، إنه إذا كانت هذه الحال بالنسبة للأتراك مع أنفسهم، فما بالنا أن تكون مع السوريين أو العرب عموما، أو حتى أي جنس يختلف مع الأتراك.
]]>