الذعر يضرب روسيا بعد انهيار صورة النصر التي رسمها بوتين

استيقظ الروس من أحلام النصر الحاسم التي نسجها الرئيس فلاديمير بوتين على واقع "مقلق" بعدما نجح الجيش الأوكراني في اجتياح الأراضي الروسية، والسيطرة على مساحة كبيرة من محافظة كورسك، في أول تهديد عسكري تواجهه البلاد داخل أراضيها منذ الحرب الشيشانية الأولى العام 1994.

نزوح الآلاف من الروس "أفسد" الخط الرسمي الذي رسمه بوتين بأن روسيا "تتجه بثبات نحو النصر"، كما تقول جريدة "ذا نيويورك تايمز"، فخلال الوقت الذي تبحث فيه آلاف الأسر عن المأوى، يخشى الآباء من إرسال أبنائهم إلى المعركة. 

ظهور غريب لـ"بوتين"

وفي اجتماع أزمة متلفز الإثنين الماضي، قام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالحديث من ورقة مكتوبة بخط اليد، ما بدا للمتابعين أن مساعديه "لم يكن لديهم الوقت لكتابة خطاب له كما يفعلون عادة".

ولم يغير التوغل المفاجئ لأوكرانيا المسار العام للحرب، لكنه وجه ضربة لـ"بروباجندا" الحكومة الروسية، التي على مدار السنتين الماضيتين نجحت في تمرير رسائلها بشأن الحرب.

ولم يقل بوتين شيئًا عن التوغل منذ لقائه مع المسؤولين الأمنيين والإقليميين، وهو تجمع متوتر قام فيه الرئيس في وقت ما بتوبيخ حاكم كورسك لكشفه عن عمق واتساع تقدم أوكرانيا في روسيا.

وبالقرب من الحدود، حيث تقول السلطات إن أكثر من 130 ألف شخص فروا أو تم إجلاؤهم، بدا المسؤولون الإقليميون غير مستعدين لمواجهة الأزمة، مما دفع مبادرات المساعدات الشعبية إلى التدخل.

التوغل الأوكراني فضح رواية الكرملين

بالنسبة للسياسيين المعارضين، بما في ذلك بعض القلة المتبقية داخل روسيا، أتاح التوغل الأوكراني فرصة نادرة لدحض رواية الكرملين بأن روسيا تتجه بثبات نحو النصر - حتى لو لم يكن من المؤكد على الإطلاق أن الروس سيلومون بوتين على ذلك.

وقال أحد المعارضين في مدينة بسكوف الغربية، ليف شلوسبيرغ، لـ"ذا نيويورك تايمز"، إن "الأحداث الحالية تؤدي بالطبع إلى تفاقم الأزمة، لكن لا يعرف أين وكيف ستذهب طاقة عدم الرضا" الحالية وسط الشعب الروسي.

وفي مدينة كورسك، على بعد حوالي 50 ميلاً من الحدود حيث غزت أوكرانيا، وصفت السياسية يكاترينا دونتسوفا أشخاصا التقتهم في أحد الملاجئ بأنهم "كانوا مشوشين للغاية" لاضطرارهم إلى الفرار، إلى درجة أنهم "يأملون أن يكون هذا كله مجرد حلم من نوع ما".

صدمة.. وإدراك

وقالت دونتسوفا، في مقابلة عبر الهاتف، إن إحدى النساء أخبرتها أنها كانت في الملجأ في سكن جامعي "منذ اليوم الأول للحرب"، واتضح أنها كانت تشير إلى بداية التوغل الأوكراني الأسبوع الماضي.

وتعقب دونتسوفا متعجبة: "إذن ماذا كان يحدث قبل ذلك؟"، ثم ذكرت رد المرأة عليها حيث قالت "قبل ذلك، كنا نعيش حياتنا".

وحاولت دونتسوفا، وهي صحفية، الترشح ضد بوتين في الانتخابات الرئاسية الروسية هذا العام ببرنامج مناهض للحرب، لكنها مُنعت من الاقتراع. وهي الآن تقود جهداً تطوعياً لمساعدة سكان كورسك النازحين، في حين تحذر من أن الإحراج الناجم عن التوغل الأوكراني لا يمكن أن توقع ما إذا كان سيؤدي إلى تغيير سياسي في روسيا أم لا، لأن قِلة من الناس قد يجرؤون على التحدث علناً.

مساعدة الفارين منا لحرب

وبالنسبة للروس المعارضين للحرب، أصبحت مساعدة الأشخاص الذين يفرون من القتال إحدى الطرق للشعور وكأنهم يتحركون دون المخاطرة بالاعتقال، ونشر البعض على تطبيق المراسلة الاجتماعية "تيليغرام" عرضًا بفتح منازلهم للنازحين، وفي مدينة أوريول، على بعد حوالي 80 ميلاً شمال كورسك، قالت خياطة تدعى أناستاسيا، 36 عاماً، إنها ساعدت في العثور على سكن لعائلتين.

وقالت أناستاسيا، التي طلبت عدم الكشف عن اسمها الأخير حفاظاً على سلامتها: "عندما تعيش في كابوس، من المهم حقاً أن ترى أن هناك أيضاً أشخاصاً من حولك يقدمون لك المساعدة.. إنه يساعدك على عدم الجنون".

إرسال الفتيان إلى أرض المعركة

ومع ذلك، كانت هناك علامات على التوتر العام الناجم عن عدم اليقين بشأن مشاركة المجندين الشباب في القتال، فمنذ بداية الحرب، تعهد بوتين بعدم إرسال المجندين – الرجال الروس الذين لا تتجاوز أعمارهم 18 عامًا للخدمة في الجيش لمدة عام – إلى منطقة الحرب في أوكرانيا، لكن المعارك على الأراضي الروسية قد تكون أمراً مختلفاً، وأفادت وكالة أنباء استقصائية روسية في المنفى، "قصص مهمة"، يوم الأربعاء أنها حددت هوية 22 جنديا من المجندين اختفوا في كورسك.

وقال غريغوري سفيردلين، رئيس منظمة تساعد الروس الذين يسعون إلى تجنب الخدمة العسكرية، إن المجندين في كورسك، الذين انسحبوا من الحدود بعد الهجوم الأوكراني، "يُرسلون الآن للدفاع عن كورسك مرة أخرى". وقال إن مجموعته، "إديت ليسوم" (اغرب عن وجهي)، تلقت أكثر من 20 نداءً للمساعدة من المجندين أو أقاربهم.

ويعد استخدام المجندين أمرا حساسا بشكل خاص بالنسبة لبوتين لأن عائلاتهم يمكن أن تشكل قوة قوية مناهضة للحرب، كما فعلوا خلال حرب الاتحاد السوفيتي في أفغانستان في الثمانينيات وحرب روسيا في الشيشان في التسعينيات. وعلى النقيض من ذلك، في أوكرانيا، كانت القوة الروسية تتألف في الأساس من جنود متعاقدين يتقاضون أجوراً جيدة وتحصل أسرهم على مبالغ كبيرة إذا مات الرجال، فضلاً عن السجناء الذين وُعدوا بالحرية إذا بقوا على قيد الحياة.

وبعيدًا عن المشاركة المحتملة للمجندين، توقع المحللون أن الجهود المبذولة لطرد القوات الأوكرانية من كورسك يمكن أن تعيق في النهاية الهجوم الروسي في شرق أوكرانيا. وقال رسلان بوخوف، مدير مجموعة الأبحاث الأمنية CAST ومقرها موسكو، إن الحاجة إلى نقل بعض قوات الغزو الروسية إلى كورسك يمكن أن تهدد بدورها استراتيجية روسيا المتمثلة في التقدم البطيء عبر خط المواجهة في أوكرانيا.

وقال بوخوف: "يجب تقييم الأيام الأولى من العملية الأوكرانية في منطقة كورسك على أنها ناجحة للغاية، على الرغم من أن أهدافها النهائية لا تزال غير واضحة". "من الناحية الأخلاقية، تلقى الاتحاد الروسي ضربة قوية".

وتحتفظ روسيا بميزة في الحرب من حيث الأفراد والموارد المحلية، ولكن التوغل الأوكراني سلط الضوء على قدرة كييف على استخدام قواتها الذكية والأسلحة الغربية لسرقة المبادرة من روسيا أحيانا.

بوتين يلوم الغرب

وفي الاجتماع المتلفز يوم الاثنين، ألقى بوتين باللوم على الغرب في "محاربة" روسيا "بأيدي الأوكرانيين"، مكررًا تصويره المتكرر للحرب، التي بدأها بغزو كامل، على أنها حملة بالوكالة ضد روسيا من قبل الغرب.

وواصل التلفزيون الرسمي التقليل من شأن الأزمة، وتعامل معها على أنها كارثة طبيعية أو هجوم إرهابي، وقالت مذيعة نشرة الأخبار على القناة الأولى يوم الثلاثاء إن القوات الروسية "تطرد العدو من أرضنا"، مضيفة أن "المهمة الرئيسية الآن هي مساعدة الضحايا المدنيين".

لكن على تطبيق تيليجرام، انتقد المدونون المشهورون المؤيدون للحرب المسؤولين الروس لإخفائهم حجم المشكلة. وأشار أحدهم بجفاف إلى أنه على الرغم من التقارير المنتظمة الصادرة عن وزارة الدفاع الروسية والتي تزعم مقتل مئات الجنود الأوكرانيين "المدمرين"، فإن "العدو الذي "وردت أنباء عن مقتله" ما زال يواصل الاستيلاء على أراضي روسية.

ووسط الرسائل المتضاربة من مؤيدي الحرب على شاشات التلفزيون والإنترنت، توقع المحللون أن يستجيب أفراد الشعب الروسي إما من خلال الالتفاف حول العلم بسبب صدمة التوغل أو من خلال انتقاد الدولة لفشلها في حمايتهم.

وقال أليكسي مينيايلو، وهو ناشط معارض مقيم في موسكو ويدرس الرأي العام الروسي، إن الهجمات الأوكرانية السابقة على المناطق الحدودية الروسية أدت إلى زيادة تصلب الآراء المؤيدة للحرب، لكنه أضاف أن الشعور بالارتباك هذه المرة في أعقاب التوغل في كورسك يمكن أن يقطع رسالة الكرملين بأن "كل شيء يسير على ما يرام؛ نحن نفوز".

وأضاف مينيايلو، المؤسس المشارك لمشروع بحثي يدعى كرونيكلز، والذي كان يجري استطلاعات للرأي بين الروس في الأشهر الأخيرة: "إن هذا الخطأ يكسر هذه الرواية الدعائية إلى حد كبير".

والتزم بوتين الصمت بشأن الكيفية التي يعتزم بها الرد، بخلاف الإعلان في اجتماعه يوم الاثنين أن إعادة السيطرة على منطقة كورسك كانت أولوية، وقال البعض في روسيا إنهم يتوقعون أن يقوم بوتين بالرد بشكل غير متوقع من جانبه، مما يزيد من تصعيد عنف الحرب.

وقال شلوسبيرج، السياسي المعارض، في إشارة إلى غزو أوكرانيا للأراضي الروسية: "لقد تم محو الخط الأحمر الذي بدا أنه لا يمكن المساس به.. الآن لدى بوتين فرصة، وسبب، للتفكير في الخط الذي يجب أن يعبره".

اقرأ أيضا: استمرار التوغل الأوكراني في روسيا.. وموسكو تضطر لإجلاء 200 ألف شخص

]]>

Previous
Previous

في حال عودته للرئاسة.. هل تشعل رسوم ترامب الجمركية حربا تجارية عالمية؟

Next
Next

استمرار التوغل الأوكراني في روسيا.. وموسكو تضطر لإجلاء 200 ألف شخص