لماذا شنت إسرائيل "هجوم البيجر" الآن؟

لازال "هجوم البيجر" غير التقليدي الذي شنته إسرائيل ضد حزب الله يومي الثلاثاء والأربعاء الماضيين، يحوز على اهتمام العديد من الدوائر السياسية والإعلامية حول العالم، وهو ما جعل "فورين بوليسي" تتساءل عما وراء هذا الهجوم، فهل يكون "طلقة البداية" لحرب إقليمية شاملة، أم مجرد عملية ضمن حرب ظل "طويلة"؟

وفي مقاله بالمجلة الأميركية، يتناول مدير الأبحاث في مجموعة "صوفان" كولين بي كلارك، تلك السيناريوهات وايضا احتمال أن الإسرائيليين أطلقوا العملية لأنه كان هناك حد زمني للمدة التي يمكن أن تستمر دون اكتشافها.

ويسهم الهجوم في تحسين سمعة جهاز المخابرات الإسرائيلية "الموساد" بعد أن شوهها بشدة هجوم "حماس" في السابع من أكتوبر الماضي، وفق المقال.

ويعلق كلارك: "عملية البيجر نفسها تبدو وكأنها من رواية تجسس، فهناك عدد لا يحصى من الفرضيات المتداولة حول الكيفية التي تمكن بها الموساد من تنفيذ هجوم بهذا الحجم وهذه الدراماتيكية، ولا نعرف حتى الآن ما إذا كانت القنابل قد زرعت في مرحلة التصنيع أو ما إذا كانت سلسلة التوريد قد جرى اختراقها في مرحلة أخرى من العملية".

واعتمد حزب الله على وسائل اتصالات قديمة مثل أجهزة "البيجر"، ربما معتقدًا أنها بعيدة عن متناول خبراء التقنيات الإلكترونية الإسرائيليين، وفي أعقاب هجوم السابع من أكتوبر، سعى أفراد حزب الله إلى حد كبير إلى تجنب استخدام الهواتف المحمولة، حيث حث زعيم الجماعة حسن نصر الله المقاتلين على استخدام طرق بديلة للاتصال بدلاً من ذلك.

وتكهن البعض بأن البرامج الضارة التي تم حقنها في الأجهزة قد تتسبب في ارتفاع درجة حرارة البطاريات ثم انفجار الأجهزة في النهاية، "لكن الهجوم كان منظما، وتم بتخطيط دقيق واهتمام بالتفاصيل، وبصرف النظر عن التأثير المباشر له، فإن القدرات التي تم إظهارها ستجعل حزب الله يشعر بالارتياب بشكل متزايد، وغير متأكد مما قد يفعله الموساد بعد ذلك"، وفق المقال.

ورجح كلارك أن يجري حزب الله إصلاحا شاملا لجهاز الأمن الداخلي الخاص به، ومراجعة الثغرات في أمنه العملياتي ومحاولة دعم المهارات الفنية لأعضائه، ومن الممكن أن تكون هناك عملية تطهير داخلية للجواسيس، وهي عملية مطاردة يمكن أن تؤدي إلى إراقة الدماء داخل حزب الله، وهي مكافأة إضافية لجواسيس إسرائيل.

دوافع الهجوم

ويشير مقال "فورين بوليسي" إلى أن أحد الدوافع وراء "هجوم البيجر"، كما حدث مع اغتيال رئيس المكتب السياسي السابق لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران أواخر يوليو، هو أن الموساد عازم على تجديد صورته، فقبل هجوم السابع من أكتوبر، تمتعت المخابرات الإسرائيلية بسمعة باعتبارها ذات قدرة مطلقة، وتم سرد مآثرها الأسطورية في أفلام التجسس الرائجة مثل فيلم "ميونيخ" لستيفن سبيلبرج ومسلسل "فوضى" الذي حقق نجاحًا كبيرًا على "نتفيليكس". 

وأسفرت حملة الاغتيالات الإسرائيلية حتى الآن عن مقتل نائب الزعيم السياسي لحركة حماس صالح العاروري في بيروت في يناير، والقائد الكبير لحزب الله فؤاد شكر في بيروت في أواخر يوليو بالإضافة إلى هنية بعد فترة وجيزة، وأخيرا قائد فرقة "الرضوان" بحزب الله إبراهيم عقيل.

لكن العمليات السرية الإسرائيلية لها تأثير عملي أكثر، كما يوضح المقال، فمن المحتمل أن "القيادة والسيطرة" لدى حزب الله تحطمت، مما تسبب في مشكلات كبيرة في اتصالات المجموعة على المدى القريب، علاوة على ذلك، أدى هجوم الثلاثاء إلى إصابة المئات من مقاتلي حزب الله، ولا شك أن بعضهم سيتعرضون للتشويه، أو فقدان الأصابع أو الأيدي، أو تعرضهم لإصابات أخرى ستضعهم على الهامش، على الأقل مؤقتا.

وسيبدأ الآن الحوثيون في اليمن، والميليشيات في العراق وسوريا، وغيرهم من وكلاء إيران، في اتخاذ احتياطات أكبر، وهذا يمكن أن يغير الطريقة التي تتواصل بها هذه المجموعات، ما قد يؤثر بشكل مباشر على التنسيق ويعرقل قدرتها على شن هجمات خاصة بها، وسيمتد التأثير إلى ما هو أبعد من لبنان، حيث تشكك المجموعات صاحبة الأنشطة غير المشروعة حول العالم، سواء كانوا إرهابيين أو مجرمين، في سلامة أجهزة الاتصال الشخصية الخاصة بهم.

ويزعم أمين عام حزب الله حسن نصر الله أن حزبه لا يريد حربا شاملة مع إسرائيل، وأشار ضمناً إلى أن مجموعته لا تزال منخرطة عسكرياً "اسنادا لقطاع غزة"، ومع ذلك، فحتى عندما يزعم العديد من أصحاب المصلحة أنهم يريدون تجنب الحرب، فلا يزال من الممكن أن يحدث ذلك، كما حدث مع حزب الله وإسرائيل في يوليو 2006، وهي الحرب التي جلبت دماراً هائلاً إلى لبنان وانتهت إلى طريق مسدود إلى حد ما، حسب كلارك.

ويشير المقال إلى أنه "وبعد مرور ثمانية عشر عاماً على ذلك الصراع الذي دام 34 يوماً، أصبح حزب الله منظمة مختلفة تماماً، يمتلك أسلحة أكثر تقدماً، وعدداً أكبر من الرجال المسلحين، ويتمتع بقدر أعظم من الشرعية السياسية، ليس فقط في لبنان بل وأيضاً في مختلف أنحاء العالم الإسلامي"، كما لفت الباحثان سيث جي جونز ودانييل بايمان مؤخراً، إلى أن الحرب مع حزب الله ستشكل التحدي الأكبر الذي يواجه إسرائيل منذ عقود من الزمنـ ومع ذلك، هذا هو بالضبط ما يمكن أن تتجه إليه الأمور.

ما نهاية الصراع بين إسرائيل وحزب الله؟

ويرى كلارك إن حزب الله سيظل يشكل تهديدا لإسرائيل حتى بعد الحرب، وسيشعر الحزب بعد "إذلاله" في "هجوم البيجر" أنه مضطر للرد، وسيكون "متعطشا للانتقام".

وأضاف: "أن هدف إسرائيل الجديد في الحرب، والذي يتلخص في إعادة سكانها النازحين إلى الشمال بالقرب من الحدود مع لبنان، والذين يبلغ عددهم في المجموع نحو 60 ألف شخص، سوف يتطلب دفع قوات حزب الله بعيداً عن الحدود وإعادتها نحو منطقة عازلة يمكن التحكم فيها، وحتى لو ادعى الحزب أنه يريد تجنب الحرب، فإن أي سوء فهم يمكن أن يدفع كلا الجانبين نحو الصراع مع استمرار الاتهامات المتبادلة، وسعى كل جانب إلى وضع قواته للحصول على ميزة المتحرك الأول".

وتابع: "كما يعلم الإسرائيليون جيداً، فإن حزب الله ليس حماس، فهو أقرب إلى الجيش التقليدي، ولديه ترسانة لما يزيد عن 150 ألف صاروخ وذخائر موجهة بدقة، ويعد بلا شك، من بين الجهات الفاعلة غير الحكومية الأكثر اكتمالاً وتدريبًا جيدًا وموارد في السياسة العالمية، ويتمتع مقاتلوه بخبرة قتالية كبيرة في عمليات الانتشار القتالية في سوريا، حيث عملوا جنباً إلى جنب مع الحرس الثوري الإيراني واختبروا أسلحة جديدة عالية التقنية".

واختتم: "من المرجح أن يكون للهجوم آثار خطيرة على لبنان، والصراع بين إسرائيل ووكلاء إيران، وعلى الشرق الأوسط ككل، وقبل نحو ثلاثة أسابيع من ذكرى السابع من أكتوبر، لا تزال المنطقة على حد السكين، وقد ترى العناصر المتشددة من كافة الأطراف أن من مصلحتها التصعيد، في حين تثبت الجهود الدبلوماسية الجارية أنها قليلة للغاية ومتأخرة للغاية".

]]>

Previous
Previous

"سي إن إن": الشرق الأوسط يتجه نحو حرب مدمرة

Next
Next

ما حقيقة استخدام الحوثيين صاروخ "أسرع من الصوت" في استهداف إسرائيل؟