أسلحة بلا فائدة.. الجيش الصيني "غير مصمم" للقتال
"اصطفافات لجنود على مدى البصر، وقطع بحرية تبدو وكأنها لا تُحصى، ومعدات عسكرية برية من عالم آخر".. هكذا تظهر لقطات الفيديو التي تبثها الصين لتدريبات ومناورات جيشها الذي تلوح به بين الحي والآخر فيما يتعلق بجزيرة تايوان، لكن هناك تقارير تشكك في قدرته الحقيقية على تنفيذ مهام حربية.
ونشرت "سي إن إن" تقريرا مثير عن مؤسسة بحثية أميركية يقول إن الصين ليست مستعدة لخوض الحروب، وأن الدافع الرئيسي وراء حملة الحزب الشيوعي الحاكم الموسعة للتحديث العسكري هو الاحتفاظ بقبضته على السلطة، وليس محاربة عدو خارجي.
وركزت بكين على الحشد العسكري الملفت للأنظار في عهد الزعيم الصيني شي جين بينج، حيث بدا جيش التحرير الشعبي - الذي لم يكن في السابق حتى واحداً من أقوى الجيوش في آسيا - كأنه "في منافسة، أو تجاوز الجيش الأميركي في بعض الفئات"، في تقديرات المحللين.
كما أظهرت عمليات المحاكاة التي أجراها خبراء الدفاع الأميركيون مرارا وتكرارا أن الولايات المتحدة - التي تعتبر على نطاق واسع أقوى جيش في العالم - ستواجه صعوبة في التصدي للجيش الصيني إذا ما قرر تنفيذ عمليات عسكرية قرب شواطئ البلاد، خاصة لو قرر السيطرة لعى جزيرة تايوان الديمقراطية.
"شو سياسي"
لكن تقريرا صدر الشهر الماضي عن مؤسسة "راند" ومقرها واشنطن ذكر أنه على الرغم من الحشد المثير للإعجاب، فإن الاعتبارات السياسية - وأهمها رغبة الحزب الشيوعي في السيطرة على كل من الأفراد العسكريين والمجتمع الصيني - يمكن أن تعرقل جيش التحرير الشعبي في المعركة، خاصة ضد خصم مثل الولايات المتحدة.
وكتب تيموثي هيث، الخبير المخضرم في الشؤون الصينية لدى مؤسسة راند، في التقرير الذي يحمل عنوان "الاستعداد القتالي المشكوك فيه للجيش الصيني": "لا يزال جيش التحرير الشعبي يركز بشكل أساسي على دعم حكم الحزب الشيوعي الصيني بدلاً من الاستعداد للحرب".
وأضاف هيث أن "مكاسب التحديث العسكري التي حققتها الصين تهدف في المقام الأول إلى تعزيز جاذبية ومصداقية حكم الحزب الشيوعي الصيني"، مما يجعل الحرب غير محتملة.
وأحد الأمثلة التي استشهد بها هيث حول الاعتبارات السياسية التي تتعارض مع الأهداف العسكرية هو أن جيش التحرير الشعبي ينفق ما يصل إلى 40% من وقت التدريب على مواضيع سياسية.
وقال هيث: "إن المقايضة بالوقت الذي يمكن إنفاقه في إتقان المهارات الأساسية للعمليات القتالية تثير المزيد من التساؤلات حول مدى استعداد جيش التحرير الشعبي للحرب الحديثة".
وأشار هيث أيضًا إلى أن وحدات جيش التحرير الشعبي لا يقودها ضباط قياديون فحسب، بل مفوضون سياسيون يركزون على الولاء للحزب بدلاً من الفعالية القتالية.
وكتب: "إن نظام القيادة المنقسم... يقلل من قدرة القادة على الاستجابة بمرونة وسرعة للمواقف الناشئة".
وأضاف أن نشوب حرب تقليدية بين الولايات المتحدة والصين هو "احتمال بعيد"، ويجب على مخططي "البنتاغون" التركيز على مجموعة أوسع من التهديدات الصينية من الصواريخ والقنابل.
الأسلحة والإرادة
لقد حققت الصين تقدماً عسكرياً سريعاً لا جدال فيه منذ قدم شي إصلاحات شاملة قبل عقد من الزمن، حسب الشبكة الأميركية.
لقد أنتج برنامج بكين المكثف لبناء السفن في السنوات الأخيرة أكبر قوة قتالية بحرية في العالم، والتي يمكنها العمل على مسافة أبعد من أي وقت مضى من شواطئ الصين - بما في ذلك من أول قاعدة عسكرية خارجية للبلاد في جيبوتي.
ومن ناحية أخرى، حققت الصين تقدماً في مجال الطائرات الشبح والأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت ــ وحولت مساحات شاسعة من صحاريها الداخلية إلى حقول لصوامع الصواريخ.
لكن هيث تساءل عما إذا كانت ترسانة بكين الجديدة ستكون فعالة في الحرب. وجاء في تقريره: "لقد أظهر التاريخ مراراً وتكراراً أن الجيوش تفشل أحياناً في استخدام أسلحتها المتقدمة بشكل فعال في المعركة"، مشيراً إلى الحرب في أوكرانيا باعتبارها أحدث صراع فشل فيه الجيش الأفضل تسليحاً.
العامل البشري
قليلون هم الذين يشككون في أن جيش التحرير الشعبي قد حقق خطوات كبيرة في عدد ونوعية الأسلحة التي يمكنه استخدامها. خذ على سبيل المثال سفنها الحربية، وعلى رأسها المدمرة من طراز 055، التي يصنفها العديد من المحللين على أنها أقوى مقاتلة سطحية في العالم.
أطلقت بحرية جيش التحرير الشعبي الصيني غواصتها العاشرة من طراز 055 في العام الماضي، ومن المتوقع أن يصل عددها إلى ستة أخرى في السنوات المقبلة. وتتطلب كل منها طاقمًا مكونًا من حوالي 300 بحارًا.
وقال كولين كوه، زميل الأبحاث في كلية إس. راجاراتنام للدراسات الدولية في سنغافورة، إن بناء السفن الحربية ذات التقنية العالية قد يكون أسهل من تزويدها بطاقم – لأن السفن الحربية الحديثة تحتاج إلى بحارة شباب لتولي مهام معقدة، وهذا يتطلب تدريبًا مكثفًا.
وأضاف كوه: "من المحتمل أن يستوعب الجيش شخصًا من الريف لم يحصل على الكثير من التعليم، ويدربه ليصبح جندي مشاة، لكن إذا كنت ترغب في تدريب شخص قادر على التحكم في مركز المعلومات القتالية في السفينة الحربية، وإطلاق صاروخ وصيانة الصاروخ، فإن ذلك يتطلب تأهيلا أكثر".
وفي الوقت نفسه، يواصل جيش التحرير الشعبي الصيني صراعه مع مشكلة أخرى تتعلق بالأفراد، ألا وهي الفساد. وذكر تقرير للبنتاغون صدر في ديسمبر الماضي أن حملة واسعة النطاق لمكافحة الفساد داخل المستويات العليا في الجيش والحكومة الصينية تعيق تعزيز قدرات الجيش.
وقال مسؤول دفاعي أميركي كبير في ديسمبر الماضي: "أعتقد أنهم حددوا الأمر على أنه شيء يشكل بالفعل مخاطر كبيرة على الموثوقية السياسية والقدرة التشغيلية لجيش التحرير الشعبي الصيني في نهاية المطاف".
الاستعداد العسكري
عندما يتحدث المحللون عن الاستعداد العسكري الصيني، فإن التركيز ينصب بسرعة على تايوان. وتشير تقديرات المخابرات الأمريكية إلى أن الزعيم الصيني أمر جيش التحرير الشعبي بالاستعداد لغزو الجزيرة بحلول عام 2027، إذا لزم الأمر.
لكن هيث يقول إنه على الرغم من أن الزعيم الصيني حدد هذا الهدف، إلا أنه وغيره من كبار مسؤولي الحزب لم يشاركوا في أي حملة منسقة لإعداد الجمهور الصيني للقتال.
وكتب هيث: "لم يقم القادة الصينيون بإلقاء خطابات تمجد الحرب، أو تدعو إلى الحرب، أو تصف الحرب بأنها حتمية أو مرغوبة"، مشيراً إلى أن "الجيش الصيني لم ينشر حتى دراسة حول كيفية احتلال تايوان والسيطرة عليها.
ويحذر آخرون من الحكم على نوايا بكين بناء على التفكير الغربي. ويقولون إنه من غير المعروف ما الذي قد يعتبره شي فوزًا في تايوان.
ويقولون إن حجم الألم الذي يمكن أن يتحمله جيش التحرير الشعبي - والمجتمع الصيني ككل - للسيطرة على الجزيرة لا يعرفه إلا في بكين.
وقال كوه: "علينا أن نفكر في استخدام بكين للقوة على مستوى يمكن معايرته ليناسب احتياجاتها السياسية".
ومن الممكن أن تكون تلك القوة بمثابة حصار لخنق الجزيرة دون إطلاق رصاص. وقد تكون الضربات الجوية كافية لإظهار لتايبيه ومؤيديها أن الصين لها اليد العليا في أي صراع عبر المضيق. يمكن أن يكون غزوًا واحتلالًا واسع النطاق.
ومن الممكن أن تكون تلك القوة بمثابة حصار لخنق الجزيرة دون إطلاق رصاص. وقد تكون الضربات الجوية كافية لإظهار لتايبيه ومؤيديها أن الصين لها اليد العليا في أي صراع عبر المضيق. يمكن أن يكون غزوًا واحتلالًا واسع النطاق.
أو يمكن أن يكون استمرارًا للضغط السياسي المستمر الذي تمارسه بكين، مصحوبًا بوجود شبه مستمر لجيش التحرير الشعبي حول تايوان، بما في ذلك عشرات الطائرات الحربية والسفن. ويقول بعض المحللين إن هذه السياسة خدمت الحزب الشيوعي بشكل جيد حتى الآن.
فلماذا ننفق كل هذه الأموال على أسلحة جديدة؟
إن مكاسب التحديث العسكري التي حققتها الصين ليست مصممة لغزو تايوان من خلال الهجوم العسكري. وكتب هيث: "بدلاً من ذلك، (تم تصميمها) لمساعدة جيش التحرير الشعبي الصيني على تنفيذ مهمته الطويلة الأمد بشكل أكثر فعالية المتمثلة في دعم حكم الحزب الشيوعي الصيني".
وقال إن السفن الحربية الجديدة والطائرات المقاتلة الشبح تثير إعجاب الجمهور بشكل أساسي، مما يجعل السيطرة على المجتمع أسهل.
ويتفق درو طومسون، أحد كبار زملاء كلية إس. راجاراتنام للدراسات الدولية في سنغافورة، مع هذه النقطة. وقال: "كون السياسة أساسية يعني أن الدعاية أكثر أهمية من النتيجة العسكرية".
لكن كوه قال إن المكاسب التي حققها جيش التحرير الشعبي في عهد شي لا يمكن تجاهلها باعتبارها مجرد رسالة محلية.
واستطرد: "على الرغم من تلك المشكلات المعروفة داخل الصين وجيش التحرير الشعبي، لا أعتقد أن أي مخطط عسكري في المنطقة سوف يرفض جيش التحرير الشعبي الصيني باعتباره نمرًا من ورق".
]]>