هل تلعب السعودية دور الوساطة بين أميركا والصين؟

ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. (أرشيفية: الإنترنت)

في ظل "الحرب التجارية" الدائرة بين الولايات المتحدة والصين حاليا، طرح اسم السعودية كوجهة محتملة لـ"الوساطة" بين القوتين العالميتين من أجل إيجاد حلول تجنب الدولتين والعالم مغبة استمرار التصعيد بينهما.

وبالإضافة إلى نجاح السعودية في لعب دور الوساطة سواء بين روسيا وأوكرانيا من جانب، وبين روسيا وواشنطن من جانب آخر، تملك الرياض علاقات وثيقة مع جميع دول العالم، ومنها الولايات المتحدة والصين، تتمحور حول دبلوماسية النوايا الحسنة وتحقيق المصالح المشتركة.

وكانت الرياض وجدة وجهتين للقاءات مسؤولين رفيعي المستوى من أميركا وروسيا وأوكرانيا، لمناقشة ملفات مهمة على رأسها إنهاء الحرب في أوكرانيا، وأيضا عودة العلاقات الروسية - الأميركية وكذلك مناقشة اتفاقية المعادن النادرة بين واشنطن وكييف.

العلاقات السعودية - الأميركية

أكثر من 90 عاما مرت على تدشين العلاقات السعودية - الأمريكية، التي شابها الكثير من التوافق، وقد بدأت باستثمار أمريكي في بئر نفط سعودي، والآن يخطط الأمير محمد بن سلمان ولي العهد لضخ استثمارات سعودية ضخمة في الولايات المتحدة تصل إلى 600 مليار دولار، ما يعكس متانة تلك العلاقات وأيضا التفاهمات مع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

وتحرص البلدان، خاصة المؤسسات العميقة بهما، على الحفاظ على علاقات وثيقة لم تخدمهما فقط، بل ساهمت في تحقيق إمدادات آمنة للطاقة، واستقرار الاقتصاد العالمي، وحافظت على الأمن والتنمية في منطقة الشرق الأوسط والعالم.

انطلقت المحطة الأولى من العلاقة الاستراتيجية بين الحليفين باكتشاف النفط في السعودية العام 1933م، لتكون منعطفاً هاماً ليس في تاريخ البلدين، بل وفي الاقتصاد العالمي أجمع، فقد تحول النفط بسبب الشراكة السعودية الأمريكية إلى المحرك الأساس لحياة البشرية.

كما تُوّجت العلاقة باللقاء التاريخي بين الملك عبدالعزيز آل سعود مع الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت العام 1945م، على متن الطراد "كوينسي".. وهو اللقاء الأكثر أهمية بعد الحرب العالمية الثانية، أثمر عن تفاهمات مبدئية شكّلت علاقة عميقة بين البلدين استمرت حتى اليوم.

المحطة الثانية جاءت مع تأسيس الأمير فهد بن عبدالعزيز –الملك لاحقاً- العام 1974 (اللجنة السعودية الأمريكية المشتركة)؛ وهي اتفاقية إطارية في غاية الأهمية جرت خلال زيارته للولايات المتحدة الأمريكية، وتولت تطوير النشاط الاقتصادي والتجاري بين البلدين.

جرت الاتفاقية بعد أن التقى الأمير فهد بوزير الخارجية هنري كيسنجر، حيث وقعا اتفاقية اقتصادية بين البلدين، وخلال هذا الاجتماع، تم إنشاء اللجنة الاقتصادية المشتركة بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة. وركزت الاتفاقية على التعاون في مجالات التصنيع والتعليم والتكنولوجيا والتنمية الزراعية.

وتعظيماً للاتفاقية، وخلال استقبال الملك فيصل بن عبدالعزيز -رحمه الله- للرئيس نيكسون خلال زيارته للمملكة العربية السعودية العام 1974، عقد الاجتماع الأول للجنة الاقتصادية المشتركة الأمريكية السعودية، تأكيداً لعمق العلاقة الاقتصادية والاستثمارية بين البلدين.

المحطة الثالثة تأتي اليوم على يد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الذي طرح جملة من الاستثمارات الكبرى خلال الاتصال الذي أجراه ولي العهد بالرئيس الأمريكي دونالد ترمب بعد حفل التنصيب، أبدى فيه الأمير محمد بن سلمان رغبة المملكة بتوسيع استثماراتها وعلاقاتها التجارية في الولايات المُتحدة خلال السنوات الأربع المُقبلة لـ600 مليار دولار.

تأتي الاستثمارات التي تُخطط المملكة لتوسيعها داخل الولايات المُتحدة الأمريكية خلال السنوات القادمة استكمالاً للشراكات الاقتصادية والتجارية التي بدأتها المملكة مُنذ الفترة الأولى للرئيس ترمب 2017م، والتي شملت العديد من الفرص في القطاعات الواعدة، لما لها من انعكاسات مُباشرة في نقل وتوطين التقنية وخلق الفرص الوظيفية والاستفادة من القفزة التنموية التي تشهدها المملكة بوصفها الاقتصاد الأسرع نمواً بين دول مجموعة العشرين.

العلاقات السعودية - الصينية

تربط السعودية بالصين علاقات منذ عقود، وصولاً إلى شكلها الرسمي عام 1990م بعد اتفاق البلدين على إقامة علاقات دبلوماسية كاملة بينهما وتبادل السفراء، والتي كان لها الأثر في الانفتاح التجاري والثقافي بين الشعبين.

وتتمتع البلدان بعلاقات طيبة، قد تطورت بشكل ملحوظ خاصةً في المجال الاقتصادي والتجاري، إذ بلغ التبادل التجاري بين المملكة والصين قرابة 110 مليار دولار أمريكي في عام 2023، وتُمثّل السعودية بمفردها 25% من إجمالي حجم تجارة الصين مع العالم العربي.

تُعدّ المملكة الشريك التجاري الأول للصين في منطقة الشرق الأوسط، وهي من أكبر مصدري النفط للصين، وشهدت الاستثمارات بين البلدين نموا استثنائياً خلال السنوات الماضية، وهي وجهات مفضلة لمستثمري الجانبين، وقد احتلت المملكة المركز الأول لوجهة الاستثمارات الصينية الخارجية الى العالم في النصف الأول من عام 2022م.

وقد شهدت العلاقات التجارية بين البلدين تطوراً ملحوظاً خلال السنوات الأخيرة، حيث بلغ حجم التجارة بينهما من عام 2019 إلى عام 2023 أكثر من 419 مليار دولار، كما تحتل الصين مكانة بالغة الأهمية في استراتيجية المملكة الاستثمارية، وما تقوم به من إجراءات وسياسات ورفع لمستوى الخدمات وتحسين لبيئة الأعمال والأنظمة، أكسبها المرونة الاقتصادية والانتعاش، وجعلت المزيد من الشركات السعودية حريصة على الاستثمار في السوق الصينية

كما ترتبط الرياض ببكين بتفاهمات في مجال السياسة، وهو ما انعكس في تشابه الكثير من مواقف البلدين بالمنظمات الدولية التي تشتركان في عضويتها، كما أن بينهما علاقات ثقافية وشعبية، إضافة إلى مساعي المسؤولين في الدولتين إلى تعزيز نشاط السياحة بينهما.

Previous
Previous

ترامب: لم أمنع إسرائيل من مهاجمة "النووي الإيراني"

Next
Next

معهد أميركي يطرح 4 تدابير لمواجهة تهديدات الحوثيين في البحر الأحمر